للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: ٣٦]. أي مهملًا. قال الشّافعيُّ - رضي الله عنه - (١): لا يؤمر ولا يُنْهى. وقال غيرُه: لا يثاب ولا يعاقب (٢). والصحيح الأمران، فإنّ الثَّوابَ والعقابَ مترتِّبٌ (٣) على الأمر والنهي، والأمرُ والنهيُ هو طلبُ العبادة وإرادتُها، وحقيقةُ العبادة امتثالُهما.

وقال تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران: ١٩١]. وقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الحجر: ٨٥]. {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الجاثية: ٢٢]. فأخبر أنّه خلق السّماوات والأرض بالحقِّ المتضمِّن أمره ونهيه، وثوابه وعقابه.

فإذا كانت السّماوات والأرض وما بينهما خُلِقت لهذا، وهو غاية الخلق، فكيف يقال: إنّه لا علّة له، ولا حكمةٌ مقصودةٌ هي غايته، أو إنّ ذلك لمجرَّد استئجار العُمَّال حتّى لا يتكدَّر عليهم الثّوابُ بالمنّة، أو لمجرَّد (٤) استعداد النُّفوس للمعارف العقليّة وارتياضها لمخالفة العوائد!

فليتأمَّل اللّبيبُ الفرقانَ بين هذه الأقوال وبين ما دلَّ عليه صريحُ الوحي


(١) في "الرسالة" (ص ٢١) و"أحكام القرآن" (١/ ٣٦).
(٢) نقله في "بدائع الفوائد" (٤/ ١٥٩٥) بلفظ "لا يجزي بالخير والشر ولا يثاب ولا يعاقب". ولم أقف عليه. والقولان نقلهما المؤلف غير مرَّة في كتبه. انظر مثلًا: "مفتاح دار السعادة" (٢/ ٨٨٧، ١٠٧٢) وسيأتي قوله بعد نقلهما في منزلة التوبة (ص ٣٧٠): "وهما متلازمان".
(٣) ل، ج: "مرتب".
(٤) ل: "ولمجرَّد"، وهو سهو.

<<  <  ج: ص:  >  >>