للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجِدْ أصحابَ هذه الأقوال ما قدرَوا الله حقَّ قدره، ولا عرفوه حقَّ معرفته. فالله تعالى إنّما خلَق الخَلْقَ لعبادته الجامعة لكمال محبّته مع الخضوع له والانقياد لأمره.

فأصلُ العبادة: محبّةُ الله، بل إفرادُه بالمحبّة، وأن يكون الحبُّ كلُّه لله، فلا يُحِبُّ معه سواه، وإنّما يُحِبُّ ما يحبُّه (١) لأجله وفيه، كما يُحِبُّ أنبياءَه ورسلَه وملائكتَه وأولياءه. فمحبّتنُا لهم من تمام محبّته، وليست محبّةً معه كمحبَّة من يتّخذ من دون الله أندادًا يحبُّهم (٢) كحبِّه.

وإذا كانت المحبّة له هي حقيقة عبوديّته وسرّها، فهي إنّما تتحقَّق باتِّباع أمره واجتناب نهيه. فعندَ اتِّباع الأمر والنّهي (٣) تتبيَّن حقيقةُ العبوديّة والمحبّة. ولهذا جعل سبحانه اتِّباعَ رسوله - صلى الله عليه وسلم - عَلَمًا عليها، وشاهدًا لمن ادَّعاها، فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١]. فجعَل اتِّباعَ رسوله مشروطًا بمحبّتهم لله، وشرطًا لمحبّة الله لهم. ووجودُ المشروط ممتنعٌ بدون تحقُّق شرطه (٤)، فعُلِمَ انتفاءُ المحبّة عند انتفاء المتابعة. فانتفاءُ محبّتهم لله لازمٌ لانتفاء المتابعة لرسوله، وانتفاءُ المتابعة ملزومٌ لانتفاء محبّة الله لهم، فيستحيل إذًا ثبوتُ محبّتهم لله، وثبوتُ محبّة الله لهم بدون المتابعة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -. ودلَّ على أنّ متابعة الرَّسول هي


(١) ع: "يحبُّ".
(٢) ع: "يحبونهم".
(٣) ع: "واجتناب النهي". وما أثبته من الأصل وغيره معناه: عند امتثال الأمر والنهي فيأتمر بما أُمر وينتهي عما نُهي عنه.
(٤) ع: "بدون وجود شرطه وتحققه".

<<  <  ج: ص:  >  >>