للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}، فعجَبٌ قولهم! كيف ينكرون هذا، وقد خُلقوا من ترابٍ، ولم يكونوا شيئًا. والثّاني: إن تعجَبْ من شركهم مع الله غيرَه، وعدمِ انقيادهم للتوحيد (١) وعبادته وحده لا شريك له، فإنكارُهم للبعث وقولُهم: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} فعَجبٌ (٢)! وعلى التّقديرين: فإنكارُ المعاد عجَبٌ من الإنسان، وهو محض إنكار الرّبِّ والكفر به والجحد لإلهيّته وقدرته وحكمته وعدله وسلطانه.

ولصاحب "المنازل" في البصيرة طريقةٌ أخرى، قال (٣): (البصيرة: ما يخلِّصك من الحيرة. وهي على ثلاث درجاتٍ. الأولى: أن تعلم أنّ الخبر القائم بتمهيد الشّريعة يصدر عن عينٍ لا تخاف عواقبها، فترى من حقِّه أن تؤدِّيه (٤) يقينًا، وتغضب له غيرةً).

ومعنى كلامه: أنّ ما أخبر به الرّسول صادرٌ عن حقيقةٍ صادقةٍ، لا يخاف متّبعها فيما بعد مكروهًا، بل يكون آمنًا من عاقبة اتِّباعها، إذ هي حقٌّ، ومُتَّبعُ الحقِّ لا خوفَ عليه. ومن حقِّ ذلك الخبر عليك أن تؤدِّي ما أُمِرتَ به منه من غير شكٍّ ولا سلوكِ الأحوَط، بل لا تبرأ ذمّتك وتنال الأجرَ (٥) إلَّا بامتثالٍ


(١) ع: "لتوحيده".
(٢) ع: "عجبٌ".
(٣) "منازل السائرين" (ص ٦٣).
(٤) أثبت ناشر "المنازل" في المتن: "تلذُّه"، وكذا في شرحَي الإسكندري (ص ١٣١) والقاساني (ص ٣٣٧). وفي "شرح التلمساني" (٢/ ٣٤٣) كما نقل المؤلف، وهو صادر عنه. وفي ج: "أن لا تؤديه"، وهو خطأ.
(٥) ق، ل، ع: "الأمر"، تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>