للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا طالَعَ جنايتَه شمَّر لاستدراك الفارط بالعلم والعمل، وتخلَّص من رقِّ الجناية بالاستغفار والنَّدَم، وطلَبَ التّمحيصَ، وهو تخليصُ إيمانه ومعرفته من خَبَث الجناية، كتمحيص الذّهب والفضّة، وهو تخليصُهما من خَبَثهما.

ولا يمكن دخول الجنّة إلّا بعد هذا التّمحيص، فإنّها لا يدخلها إلّا طيِّبٌ. ولهذا تقول لهم الملائكة: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: ٧٣]. وقال تعالى: {تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} [النحل: ٣٢]. فليس في الجنّة ذرّة خَبَثٍ.

وهذا التّمحيص يكون في دار الدُّنيا بأربعة أشياء: بالتّوبة، والاستغفار، والحسنات الماحية، والمصائب المكفِّرة. فإن محَّصَتْه هذه الأربعةُ وخلَّصَتْه كان من {تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ}، يبشِّرونهم بالجنّة، وكان من الذين تتنزَّل عليهم الملائكةُ عند الموت {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت: ٣٠ - ٣٢].

وإن لم تَفِ هذه الأربعةُ بتمحيصه وتخليصه، فلم تكن التّوبة نصوحًا ــ وهي العامَّة الشَّاملة الصَّادقة ــ ولم يكن الاستغفار كاملًا تامًّا ــ وهو المصحوب بمفارقة الذنب والنَّدم عليه، هذا هو الاستغفار النّافع، لا استغفارُ مَن في يده قدح المسكر (١)، وهو يقول: أستغفر الله، ثمّ يرفعه إلى


(١) ع: "السكر".

<<  <  ج: ص:  >  >>