للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الحال قد يقول صاحبها ما يحكى عن أبي يزيد (١) أنّه قال: "سبحاني" (٢)، أو "ما في الجبّة إلّا الله" (٣)، ونحو ذلك من الكلمات التي لو صدرت عن قائلها وعقلُه معه لكان كافرًا. ولكن مع سقوط التّمييز والشُّعور قد يرتفع عنه قلمُ المؤاخذة.

وهذا الفناء يُحمَد منه شيءٌ، ويُذَمُّ منه شيءٌ، ويُعفى منه عن شيءٍ.

فيُحمَد منه: فناؤه عن حبِّ ما سوى الله وعن خوفِه ورجائه والتّوكُّلِ عليه والاستعانةِ به والالتفاتِ إليه، بحيث يبقى دينُ العبد ظاهرًا وباطنًا كلُّه لله.

وأمّا عدمُ الشُّعور والعلم، بحيث لا يفرِّق صاحبُه بين نفسه وغيره، ولا بين الرَّبِّ والعبد (٤) ــ مع اعتقادِه الفرقَ ــ ولا بين شهوده ومشهوده، بل لا


(١) طَيفور بن عيسى البِسْطامي (١٨٨ - ٢٦١).
(٢) انظر: "اللُّمع" (ص ٣٩٠) و"قوت القلوب" (٢/ ١٢١). قال صاحب "اللُّمع" (ص ٣٩١): "وقد قصدت بسطام وسألت جماعةً من أهل بيت أبي يزيد - رحمه الله - عن هذه الحكاية، فأنكروا ذلك، وقالوا: لا نعرف شيئًا من ذلك. ولولا أنه شاع في أفواه الناس ودوَّنوه في الكتب ما اشتغلت بذكر ذلك".
(٣) نسبت هذه الكلمة أيضًا إلى أبي يزيد كما هنا في أكثر من كتاب لشيخ الإسلام نحو "قاعدة الفناء والبقاء" في "جامع المسائل" (٧/ ١٦٠)، و"منهاج السنة" (٥/ ٣٥٧)، و"الرد على الشاذلي" (ص ١٥١) وغيرها. وكذا في "تاريخ الإسلام" (٦/ ٣٤٥) وغيره من كتب الذهبي ولكن لم يذكرها السَّرَّاج في الباب الذي عقده في "اللمع" (ص ٣٨٠ - ٣٩٥) في الكلمات الشطحيات التي حكيت عن أبي يزيد. ويظهر من سياق الكلام في "وفيات الأعيان" (٢/ ١٤٠) أنها من شطحات الحلَّاج.
(٤) ش: "العبد والرب".

<<  <  ج: ص:  >  >>