للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكرهه، وموالاةُ من والاه ومعاداةُ من عاداه؛ وأصلُ ذلك: الحبُّ فيه والبغض فيه. وحظُّ الحقيقة الكونيّة: إفرادُه بالافتقارِ إليه، والاستعانةِ به، والتّوكُّلِ عليه، والالتجاءِ إليه؛ وإفرادُه بالسُّؤالِ والطَّلبِ والتّذلُّلِ له والخضوعِ، والتّحقُّقُ بأنّه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يملكُ أحدٌ سواه لهم (١) ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، وأنّه مقلِّبُ (٢) القلوب، فقلوبُهم ونواصيهم بيده، وأنّه ما من قلبٍ إلّا وهو بين إصبعَين من أصابعه، إن شاء أن يُقيمه أقامه، وإن شاء أن يُزيغه أزاغه.

فلهذه الحقيقة عبوديّةٌ، ولهذه الحقيقة عبوديّةٌ (٣)، ولا تُبطِل إحداهما الأخرى (٤)، بل لا تتمُّ إلّا بها، ولا تتمُّ العبوديّة إلّا بمجموعهما. وهذا حقيقة قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} بخلاف من أبطل حقيقة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} بحقيقة {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وقال: إنّها جمعٌ، و {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فرقٌ. وإذا غلا في هذا المشهد لم يستحسِنْ حسنةً، ولم يستقبِحْ قبيحةً. ويصرِّح بذلك ويقول: العارف لا يستحسن حسنةً ولا يستقبح قبيحةً لاستبصاره بسرِّ القدر (٥).


(١) "لهم" ساقط من ش.
(٢) ش: "يقلب".
(٣) الجملة الثانية من ع وحدها.
(٤) ج، ش: "بالأخرى".
(٥) نقله المؤلف في غير موضع من هذا الكتاب وغيره، وعزاه في "شفاء العليل" (ص ١٤) إلى "شيخ الملحدين ابن سينا في إشاراته"، ولعله يقصد قوله في "الإشارات" (٤/ ١١٤): "العارف لا يعنيه التحسس والتجسس، ولا يستهويه الغضب عند مشاهدة المنكر كما تعتريه الرحمة، فإنه مستبصر بسرِّ الله في القدر". وهذا المعنى بعينه سيأتي في كلام صاحب "المنازل" في لطائف أسرار التوبة: "اللطيفة الثالثة: أنَّ مشاهدة الحكم لم تدع له استحسان حسنة ولا استقباح سيئة ... " وشيخ الإسلام لما ذكر هذه المقولة قال: "كما ذكر ذلك صاحب منازل السائرين". انظر: "مجموع الفتاوى" (١٣/ ٢١٣)، و"الرد على الشاذلي" (ص ١٥٣)، و"منهاج السنة" (٥/ ٣٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>