النّبويِّ القرآنيِّ، فوقعوا في الفرق النّفسيِّ الطّبعيِّ، مثل حال إبليس، تكبَّر عن السُّجود لآدم، ورضي لنفسه بالقيادة لفُسَّاق ذرِّيّته! ومثل المشركين تكبَّروا عن عبادة الله، ورضُوا لأنفسهم عبادةَ الأحجار والأوثان! ومثل أهل البدع تكبَّروا عن تقليد النُّصوص وتلقِّي الهدى من مشكاتها، ورضُوا لأنفسهم بتقليد أقوالٍ مخالفةٍ للفطرة والعقل والشّرع، وظنُّوها قواطع عقليّةً، وقدَّموها على نصوص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهي في الحقيقة شبهاتٌ باطلةٌ مخالفةٌ للسَّمع والعقل.
ومثل الجهميَّة الأولى نزَّهوا الرَّبَّ عن عرشه، وجعلوه في أجواف البيوت والحوانيت والحمّامات، وقالوا: هو في كلِّ مكانٍ بذاته، ونزَّهوه عن صفات كماله ونعوت جلاله حذرًا ــ بزعمهم ــ من التَّشبيه، فشبّهوه بالجامدات النّاقصة الخسيسة التي لا تتكلَّم، ولا لها سمع ولا بصر ولا علم ولا حياة، بل شبَّهوه بالمعدومات الممتنعِ وجودُها.
ومثل المعطِّلة الذين قالوا: ما فوق العرش إلّا العدم، وليس فوق العرش ربٌّ يُعبَد، ولا إلهٌ يُصلَّى له ويُسْجَد، ولا تُرفَعُ الأيدي إليه، ولا رُفِعَ المسيحُ إليه، ولا تعرجُ الملائكةُ والرُّوح إليه، ولا أُسْري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه ودنا منه حتّى كان قاب قوسين أو أدنى، ولا ينزل من عنده شيءٌ، ولا يصعد إليه شيءٌ، ولا يراه أهلُ الجنّة من فوقهم يوم القيامة. واستواؤه على عرشه لا حقيقة له، بل على المجاز الذي يصحُّ نفيُه. وعلوُّه فوق خلقه بالرُّتبة والشّرف، لا بالذّات. وكذلك فوقيَّتُه فوقيَّةُ قهرٍ، لا فوقيّة ذاتٍ. فنزَّهوه عن كمال علوِّه وفوقيّته، ووصفوه بما ساوَوْا (١) به بينه وبين العدم المستحيل،