للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالوا: لا داخلَ العالم، ولا خارجَه، ولا متصلًا به، ولا منفصلًا عنه، ولا محايثًا له، ولا مباينًا له، ولا هو فينا، ولا خارجٌ عنّا. ومعلومٌ أنّه لو قيل لأحد: صِفْ لنا العَدَمَ، لوصفه بهذا بعينه! وانطباقُ هذا السَّلب على العدم المحض أقرب إلى العقول والفِطَر من انطباقه على ربِّ العالمين الذي ليس في مخلوقاته شيءٌ من ذاته، ولا في ذاته شيءٌ من مخلوقاته، بل هو بائنٌ عن خلقه، مستوٍ على عرشه، عالٍ على كلِّ شيءٍ، وفوق كلِّ شيءٍ.

والقصد: أنَّ كلَّ من أعرض عن شيءٍ من الحقِّ وجَحَده وقَع في باطلٍ مقابلٍ لما أعرض عنه من الحقِّ وجَحَده، ولا بدَّ؛ حتّى في الأعمال، مَن رغب عن العمل لوجه الله وحدَه ابتلاه الله بالعمل لوجوه الخلق، فرغب عن العمل لِمَن ضرُّه ونفعُه وموتُه وحياتُه ونشورُه وسعادتُه بيده، فابتلي بالعمل لمن لا يملك له شيئًا من ذلك.

وكذلك مَن رغِبَ عن إنفاق ماله لله وفي طاعته (١)، ابتُلِيَ بإنفاقه لغير الله، وهو راغمٌ (٢). وكذلك مَن رغِبَ عن التَّعب لله ابتُلِيَ بالتَّعب في خدمة الخلق (٣)، ولا بدّ. وكذلك مَن رغِبَ عن الهدي بالوحي ابتُلِيَ بكُناسةِ الآراء وزُبالةِ الأذهان ووسَخِ الأفكار.

فليتأمَّلْ من (٤) يريد نصحَ نفسه وسعادتَها وفلاحَها هذا الموضعَ في نفسه وفي غيره. والله المستعان.


(١) ع: "ما له في طاعة الله".
(٢) "وكذلك من رغب ... راغم" ساقط من ج.
(٣) ج: "عن التعبد لله ابتلي بخدمة الخلق".
(٤) ل: "ثم"، تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>