للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ريب أنّ العامّة ــ مع غفلتهم وشهواتهم ــ أصحُّ إيمانًا من هؤلاء، إذ (١) لم يعطِّلوا الأمر والنّهي؛ فإنَّ إيمانًا مع تفرقةٍ وغفلةٍ خيرٌ من شهودٍ وجمعيّةٍ يصحَبها فسادُ الإيمان والانسلاخُ منه.

وأمّا كذبُهم على نبيِّهم، فاعتقادُهم أنّه إنّما كان قيامُه بالأوراد والعبادات لأجل التَّشريع، لا لأنَّها فرضٌ عليه، إذ قد سقط عنه (٢) ذلك بشهود الحقيقة وكمال اليقين؛ فإنّ الله عزّ وجلّ أمَرَه وأمَرَ سائرَ رسله بعبادته إلى حين انقضاء آجالهم، فقال: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩] وهو الموت بالإجماع، كما قال في الآية الأخرى عن الكفّار: {مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦)} [المدثر: ٤٦ - ٤٧]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أمّا عثمان بن مظعونٍ فقد جاءه اليقينُ من ربِّه" (٣) قاله لمّا مات عثمان. وقال المسيح صلى الله على نبينا وعليه وسلَّم: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: ٣٠ - ٣١]. فهذه وصيّةُ الله تعالى للمسيح عليه السلام، وكذلك لجميع أنبيائه ورسله وأتباعهم. قال الحسن - رضي الله عنه -: لم يجعل الله لعبادة المؤمن (٤) أجلًا دون الموت (٥).


(١) ج، م: "إذا"، وطمست الألف في ش.
(٢) "عنه" ساقط من ع.
(٣) أخرجه البخاري (١٢٤٣) وقد تقدَّم.
(٤) ج: "لعبادته". وفي ع: "لعبده المؤمن". وفي ش: "لعباده المؤمنين"، وكذا غُيِّر في م.
(٥) أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (١٨) وأحمد في "الزهد" (ص ٢٢١) وابن المقرئ في "معجمه" (٧٢٠). وانظر: "درء التعارض" (٣/ ٢٧٣) و"الاستقامة" (١/ ٤١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>