للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان حجّةً لعبدك وأمتك في ترك بعض حقِّك! بل إذا أساء (١) إليك مسيءٌ، وجنى عليك جانٍ، واحتجَّ بالقدر= لاشتدَّ غضبُك عليه، وتضاعف جرمُه عندك، ورأيتَ حجّتَه داحضةً؛ ثمّ تحتجُّ على ربِّك به، وتراه عذرًا لنفسك! فمَن أولى بالظُّلم والجهل ممَّن هذه حاله؟

هذا مع تواتر إحسان الله إليك على مدى الأنفاس: أزاح عللَك، ومكَّنك من التَّزوُّد إلى جنَّته، وبعث إليك الدَّليل، وأعطاك مؤنة السّفر وما تتزوَّد به وما تحارب به قطَّاعَ الطَّريق عليك. فأعطاك السَّمع والبصر والفؤاد، وعرَّفك الخيرَ والشَّرَّ والنَّافعَ والضَّارَّ، وأرسل إليك رسولَه، وأنزل (٢) كتابَه ويسَّره للذِّكر والفهم والعمل، وأعانك بمددٍ من جنده الكرام، يثبِّتونك ويحرُسونك، ويحاربون عدوَّك ويطردونه عنك، ويريدون منك أن لا تميل إليه ولا تصالحه، وهم يكفُونك مؤنتَه؛ وأنت تأبى إلّا مظاهرتَه عليهم، وموالاتَه دونهم، بل تُظاهِرُه وتُواليه دون وليِّك الحقِّ الذي هو أولى بك. قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: ٥٠].

طرَد إبليسَ عن سمائه، وأخرجَه من جنّته، وأبعدَه من قربه، إذ لم يسجد لك، وأنت في صلب أبيك آدم، لكرامتك عليه، فعاداه وأبعَدَه؛ ثمَّ واليتَ عدوَّه، ومِلْتَ إليه، وصالحته! وتتظلَّم مع ذلك، وتشتكي الطَّردَ والبعادَ! (٣).


(١) ج: "لو أساء" وهو مقتضى الجواب الآتي المقترن باللام: "لاشتدَّ".
(٢) بعده في ع زيادة: "إليك".
(٣) في ع بعده زيادة:
وتقول:

عوَّدوني الوصالَ والوصلُ عذبُ ... ورمَوني بالصَّدِّ والصَّدُّ صعبُ
والبيت من ثلاثة أبيات للشِّبلي في "حلية الأولياء" (١٠/ ٣٦٧)، و"تاريخ دمشق" (٦٦/ ٦٦)، و"وفيات الأعيان" (٢/ ٢٧٣). وانظر: "ديوانه" المجموع (ص ٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>