للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي لغير شيءٍ، لا تُؤمرون (١) ولا تُنهَون، ولا تُثابون ولا تُعاقَبون. والعبثُ قبيحٌ، فدلَّ على أنَّ قبحَ هذا مستقِرٌّ في الفطر والعقول. ولذلك أنكره عليهم إنكارَ منبِّهٍ (٢) لهم على الرُّجوع إلى عقولهم وفِطَرهم، وأنّهم لو فكَّروا وأبصروا لَعلِموا أنّه لا يليق به، ولا يحسن منه أن يخلق خَلْقَه (٣) عبثًا، لا لأمرٍ ولا لنهيٍ، ولا لثوابٍ ولا لعقابٍ. وهذا يدلُّ على أنَّ حسنَ الأمر والنّهي والجزاء مستقرٌّ في العقول والفطر، وأنَّ من جوَّز على الله الإخلالَ به فقد نسبه إلى ما لا يليق به، وتأباه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا.

وكذلك قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: ٣٦]. قال الشّافعيُّ - رحمه الله - (٤): مهملًا لا يؤمر ولا ينهى. وقال غيره: لا يثاب ولا يعاقب. وهما متلازمان. فأنكر على من يحسَب ذلك، فدلَّ على أنَّه قبيحٌ تأباه حكمته وعزّته، وأنّه لا يليق به. ولهذا استدلَّ على أنّه لا يتركه سدًى بقوله: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ تُمْنى (٥) (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} [القيامة: ٣٧ - ٣٨] إلى آخر السُّورة. ولو كان قبحُه إنَّما عُلِمَ بالسَّمع لكان يستدلُّ عليه بأنّه خلافُ السَّمع، وخلافُ ما أعلمناه وأخبرناه به. ولم يكن إنكاره


(١) في ع زيادة: "به" وهي خطأ.
(٢) الكلمة في ج غير محررة. وفي م، ش: "تنبيه". وكذا كان في ق، ل ثم أصلح كما أثبت من ع.
(٣) "خلقه" ساقط من ش.
(٤) في "الرسالة" (ص ٢١). وقد تقدَّم الكلام على الآية (ص ١٥٠).
(٥) هكذا في الأصل (ق)، م، ش، ع على قراءة أبي عمرو وغيره. وفي ل: "يُمنى" على قراءة حفص.

<<  <  ج: ص:  >  >>