للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرباحِ والمكاسبِ العظيمةِ والمصالحِ الرّاجحةِ، من عيادةِ المريض، واتِّباعِ الجنازة (١)، والجهادِ المستحبِّ، وطلبِ العلم النّافع، والخِلْطة التي ينتفع بها وينفع غيرَه ــ لم يُؤْثِرْها على جمعيَّته إذا رأى (٢) جمعيَّتَه خيرًا له وأنفع منها، فهذا غيرُ آثمٍ ولا مفرِّطٍ، إلّا إذا تركها رغبةً عنها بالكلِّيّة، واستبدالًا بالجمعيَّة، فهذا ناقصٌ. أمّا إذا قام بها أحيانًا وتركها أحيانًا لاشتغاله بجمعيّته (٣)، فهذا غير مذمومٍ. بل هذا حقيقة الاعتكاف المشروع، وهو جمعيّةُ العبد على ربِّه وخلوتُه به.

وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يحتجر بحصيرٍ (٤) في المسجد في اعتكافه (٥)، يخلو به مع ربِّه عزَّ وجلَّ، ولم يشتغِلْ بتعليم الصَّحابة وتذكيرهم في تلك الحال. ولهذا كان المشهور من مذهب أحمد وغيره أنّه لا يُستحَبُّ للمعتكِف إقراءُ القرآن والعلم، وخلوتُه للذِّكر والعبادة أفضَلُ له. واحتجُّوا بفعل النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (٦).


(١) ش: "الجنائز".
(٢) ما عدا ع: "ورأى".
(٣) "ناقص أما ... بجمعيته" ساقط من ش لانتقال النظر.
(٤) أي يتخذه مثل الحجرة.
(٥) انظر حديث عائشة وأنس - رضي الله عنهما - في "صحيح البخاري" (٧٣٠، ٧٣١)، وليس فيهما ذكر الاعتكاف. وانظر حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في "صحيح مسلم" (١١٦٧) ذكر فيه اعتكافه - صلى الله عليه وسلم - في قبَّة تركية على سدَّتها حصيرٌ.
(٦) انظر: "المغني" (٤/ ٤٨٠ - ٤٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>