للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأجل هذا، كان مَن عَدِمَ الحضورَ والمراقبةَ والجمعيَّةَ في العمل، خفَّ عليه واستكثَر منه، فكثُر في عينه، وصار بمنزلة العادة. فإذا أخذ نفسَه بتخليصه من الشّوائب وتنقيته من الكدَر (١)، وجمعيّةِ القلب والهمِّ على الله تعالى بكلِّيّته، وجَد له ثقلًا كالجبال، وقلَّ في عينه. ولكن إذا وجد حلاوتَه تسهَّلَ (٢) عليه حملُ أثقاله، والقيامُ بأعبائه، والتّلذُّذُ والتّنعُّمُ به مع ثقله.

وإذا أردت فهمَ هذا القدر كما ينبغي، فانظر وقتَ أخذك في القراءة إذا أعرضتَ عن واجبها وتدبُّرها وتعقُّلها، وفهمِ ما أُريدَ بكلِّ آيةٍ، وحظِّك من الخطاب بها، وتنزيلِها على أدواء قلبك والتعبُّدِ بها= كيف تُدْرِجُ الختمةَ، أو أكثرَها أو ما قرأتَ منها بسهولةٍ وخفّةٍ مستكثرًا (٣) من القراءة. فإذا ألزمتَ نفسَك بالتَّدبُّرِ ومعرفةِ المراد، والنّظرِ إلى ما يخصُّك منه (٤) والتّعبُّدِ به، وتنزيلِ دوائه على أدواء قلبك والاستشفاءِ به= لم تكد تجوز السُّورةَ أو الآيةَ إلى غيرها. وكذلك إذا جمعتَ قلبك كلَّه على ركعتين وأعطيتَها (٥) ما تقدر عليه من الحضور والخشوع والمراقبة، لم تكد تصلِّي غيرَها (٦) إلّا بجهدٍ. فإذا خلا القلبُ من ذلك عدَدتَ الرّكعاتِ بلا حسابٍ!

فالاستكثارُ من الطّاعات دون مراعاة آفاتها وعيوبها ليتوبَ منها هي توبةُ


(١) في ع بعده زيادة: "وما في ذلك من شوك الرِّياء وشِبْرِق الإعجاب".
(٢) ع: "سهل".
(٣) ع: "متكثرًا".
(٤) ش: "يحصل منك"، تحريف.
(٥) ع: "أعطيتهما".
(٦) ع: "غيرهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>