لزيدٍ ويعاقبَ عمرًا مع استوائهما من جميع الوجوه، ويُنَعِّمَ من لم يُطِعه قطُّ، ويعذِّب من لم يعصه قطُّ! فليس عندهم سببٌ ولا حكمةٌ، ولا علّةٌ، ولا موازنةٌ، ولا إحباطٌ، ولا تدافُعٌ بين السيئات والحسنات. والخوفُ على المحسن والمسيء واحدٌ، إذ من الجائز تعذيبُهما. وكلُّ مقدورٍ له فجائزٌ عليه، لا يُعلَمُ امتناعُه إلَّا بإخبار الرَّسول أنّه لا يكون، فيمتنع وقوعُه لمطابقة خبرِه العلَم (١) بعدمِ وقوعه.
فصل
واحتجَّ الفريقُ الآخَر ــ وهم القائلون بأنَّه لا يعود إليه إثمُ الذَّنب الذي تاب منه بنقض التَّوبة ــ بأنَّ ذلك الإثمَ قد ارتفع بالتَّوبة، وصار بمنزلة ما لم يعمله، وكأنّه لم يكن، فلا يعودُ إليه بعد ذلك؛ وإنّما العائدُ إثمُ المستأنَف لا الماضي.
قالوا: ولا يُشترَط في صحَّةِ التَّوبة العصمةُ إلى الممات، بل إذا ندِم وأقلَعَ وعزَم على التَّرك مُحِيَ عنه إثمُ الذَّنب بمجرَّد ذلك، فإذا استأنفه استأنفَ إثمه.
قالوا: وليس هذا كالكفر الذي يُحبِط الأعمال، فإنَّ الكفرَ له شأنٌ آخر ولهذا يُحبِط جميع الحسنات، ومعاودةُ الذَّنب لا تُحبِط ما تقدّمَه من الحسنات.
قالوا: والتّوبةُ من أكبر الحسنات، فلو أبطلَها معاودةُ الذَّنب لأبطَلَ غيرَها من الحسنات. وهذا باطلٌ قطعًا، وهو يشبه مذهبَ الخوارج المكفِّرين