الجدير بالذكر هنا أن هذا المعنى بعينه عزاه ابن القيم في «شفاء العليل»(ص ١٤) إلى «شيخ الملحدين ابن سينا في إشاراته» بلفظ: «العارف لا يستحسن حسنةً ولا يستقبح قبيحةً لاستبصاره بسرِّ القدر».
علَّق عليه ابن القيم أولا بقوله:«هذا الكلام إن أُخِذَ على ظاهره فهو من أبطل الباطل، الذي لولا إحسانُ الظّنِّ بقائله ومعرفةُ قدره من الإمامة والعلم والدِّين لَنُسِبَ إلى لازم هذا الكلام. ولكن مَن عدا المعصوم فمأخوذٌ من قوله ومتروكٌ. ومن ذا الذي لم تزِلَّ به القدمُ، ولم يَكْبُ به الجوادُ!».
ثم فسّر كلام الشيخ تفسيرًا ختَمَه بقوله:«فهذا أحسن ما يحمل عليه كلامه». ثم ذكر أن له محملًا آخر مبنيًّا على أن إرادة الرب تعالى هي عين محبته ورضاه، وهذا أصل القدرية الجبرية المنكرين للحكم والتعليل والأسباب وتحسين العقل وتقبيحه (١/ ٣٥٦ - ٣٥٧). وبعد ما فسر كلام الشيخ على هذا الأصل، ذكر له محملًا ثالثًا مع تصريحه بأن الشيخ أبعدُ الناسِ منه، ولكن قد حُمِل عليه، وهو القول بوحدة الوجود التي تنفي الطاعة والمعصية، لكون المطيع في هذه المنزلة عينَ المطاع. وبعد ما فسّر كلامه بناء على ذلك قال:«وهذا عند القوم من الأسرار التي لا يستجيزون كشفَها إلّا لخواصِّهم، وأهلِ الوصول منهم. لكنّ صاحب المنازل بريءٌ من هؤلاء وطريقتهم، وهو مكفِّرٌ لهم، بل مخرجٌ لهم عن جملة الأديان. ولكن ذكرنا ذلك لأنّهم يحملون كلامَه عليه، ويظنُّونه منهم»(١/ ٣٥٧ - ٣٩٥).
ثم ذكر ابن القيم أن هذا مقام عظيم زلَّت فيه أقدام طائفتين من الناس: طائفة من أهل الكلام والنظر، وطائفة من أهل السلوك والإرادة. أما الطائفة الأولى فنفوا التحسين والتقبيح العقليين، وذهبوا إلى أن حسن الفعل أو قبحه