للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتأمَّلْ قولَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة، وقد سأله: من أسعَدُ النَّاسِ بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: "أسعدُ النَّاس بشفاعتي: من قال لا إله إلّا الله" (١)، كيف جعل أعظمَ الأسباب التي تُنال بها شفاعتُه تجريدَ التَّوحيد، عكسَ ما عند المشركين أنَّ الشَّفاعةَ تُنال باتِّخاذهم شفعاء وعبادتهم وموالاتهم من دون الله. فقَلَب النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ما في زعمهم الكاذب، وأخبر أنَّ سببَ الشَّفاعة تجريدُ التَّوحيد، فحينئذٍ يأذن الله للشَّافع أن يشفَع.

ومن جهل المشرك: اعتقادُه أنَّ من اتَّخذه وليًّا أو شفيعًا أنَّه يشفَع له وينفعه عند الله، كما يكون خواصُّ الملوك والولاة تنفع مَن والاهم! ولم يعلموا أنَّ الله لا يشفع عنده أحدٌ إلّا بإذنه، ولا يأذن في الشَّفاعة إلّا لمن رضي قولَه وعملَه، كما قال تعالى في الفصل الأوّل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥]، وفي الفصل الثّاني: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: ٢٨]. وبقي فصلٌ ثالثٌ، وهو أنّه لا يرضى من القول والعمل إلّا التَّوحيدَ واتِّباعَ الرَّسول، وعن هاتين الكلمتين يسأل الأوّلين والآخرين، كما قال أبو العالية: كلمتان يُسأل عنهما الأوّلون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ (٢).

فهذه ثلاث (٣) فصول، تقطع شجرةَ الشِّرك من قلب من وعاها وعقلها:


(١) في هامش م، ش بخط بعضهم مع علامة صح: "خالصًا من قلبه" كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري (٩٩) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه الطبري في "التفسير" (١٤/ ١٤١).
(٣) ش: "ثلاثة" على الجادَّة. وفي ع: "ثلاث أصول".

<<  <  ج: ص:  >  >>