للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدّار يأتون بالصَّلاة والزَّكاة والحجِّ والصِّيام. فلمّا توسَّطوا الجسرَ عصَفَتْ على أنوارهم أهويةُ النِّفاق، فأطفأت ما بأيديهم من المصابيح. فوقفوا حيارى لا يستطيعون المرور، فضُرِبَ بينهم وبين أهل الإيمان بسورٍ له بابٌ، ولكن قد حيل بين القوم وبين المفاتيح. باطنُه الذي يلي المؤمنين فيه الرَّحمة، وما يليهم من قِبَله (١) العذابُ والنِّقمة. ينادُون من تقدَّمهم من وفد الإيمان، ومشاعلُ الرَّكب تلوح على بعدٍ كالنُّجوم، تبدو لناظر الإنسان: {نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ بَيْنَهُمْ} [الحديد: ١٣] لنتمكّن في هذا المضيق من العبور، فقد طفئت أنوارُنا ولا جوازَ اليوم إلّا بمصباحٍ من النُّور. {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ} حيث قسِّمت الأنوار، فهيهات الوقوفُ لأحدٍ في مثل هذا المضمار! كيف يلتمس الوقوف في هذا المضيق؟ وهل يَلوي اليوم أحدٌ على أحدٍ في هذا الطّريق؟ (٢).

فذكَّروهم باجتماعهم معهم وصحبتهم لهم في هذه الدَّار، كما يذكِّر الغريبُ صاحبَ الوطن بصحبته له في الأسفار: {مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى} نصوم كما تصومون، ونصلِّي كما تصلُّون، ونقرأ كما تقرؤون، ونتصدَّق كما تتصدّقون، ونحجُّ كما تحجُّون؟ فما الذي فرَّق بيننا اليومَ، حتّى انفردتم دوننا بالمرور؟ {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ} كانت ظواهركم معنا وبواطنكم مع كلِّ ملحدٍ وكلِّ ظلومٍ كفورٍ، {أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ


(١) م، ع: "قبلهم"، وكذا كان في ق، ل ثم أصلح بطمس الميم.
(٢) بعده في ع زيادة: "وهل يلتفت اليوم رفيق إلى رفيق".

<<  <  ج: ص:  >  >>