للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ولأنَّ كلَّ تائبٍ له طريقٌ إلى التَّوبة، فكيف يُسَدُّ على هذا طريقُ التَّوبة ويُجعَل إثمُ التَّضييع لازمًا له وطائرًا في عنقه؟ فهذا لا يليق بقواعد الشَّرع وحكمته ورحمته ومراعاته لمصالح العباد في المعاش والمعاد.

فهذا أقصى ما يحتجُّ به لصحة هذه المقالة.

قال أصحابُ القول الآخر: العبادةُ إذا أُمر بها على صفةٍ معيَّنةٍ أو في وقتٍ بعينه لم يكن المأمورُ ممتثلًا للأمر إلَّا إذا أوقَعَها على الوجه المأمور به من وصفها وشرطها ووقتها. فإيقاعُها في وقتها المحدود لها شرعًا شرطٌ في صحة التعبُّد بها والامتثال، فانتفاءُ وقتها كانتفاء وصفها وشرطها، فلا يتناولها الأمرُ بدونه.

قالوا: وإخراجُها عن وقتها كإخراجها عن استقبال القبلة مثلًا، وكالسُّجود على الخدِّ بدل الجبهة، والبروكِ على الرُّكبة بدل الرُّكوع ونحوه.

قالوا: والعباداتُ التي جُعِل لها ظروفٌ من الزَّمان لا تصحُّ إلّا فيه (١) كالعبادات التي جعل لها ظروفٌ من المكان، فلو أراد نقلَها إلى أمكنةٍ أخرى غيرها لم تصحَّ إلّا في أمكنتها، ولا يقوم مكانٌ مقامَ مكانٍ، كأمكنة المناسك من عرفة ومزدلفة والجِمار والسَّعي بين الصَّفا والمروة والطَّواف بالبيت. فنقلُ العبادة إلى أزمنةٍ غير أزمنتها التي جُعِلَتْ أوقاتًا لها شرعًا إلى غيرها كنقلها عن أمكنتها التي جُعِلت لها شرعًا إلى غيرها، لا فرقَ بينهما في الاعتداد وعدمه كما لا فرق بينهما (٢) في الإثم.


(١) كذا في النسخ بدلًا من "فيها".
(٢) "في الاعتداد ... بينهما" من ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>