للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغلَّ رجلٌ من الغنيمة، ثمَّ تاب فجاء بما غَلَّه إلى أمير الجيش، فأبى أن يقبله منه وقال: كيف لي بإيصاله إلى الجيش وقد تفرَّقوا؟ فأتى حجَّاجَ بن الشَّاعر (١) فقال: يا هذا إنَّ الله يعلم الجيش وأسماءهم وأنسابهم، فادفع خُمُسَه إلى صاحب الخُمس، وتصدَّقْ بالباقي عنهم، فإنَّ الله يوصل ذلك إليهم ــ أو كما قال ــ ففعَلَ. فلمّا أخبر معاوية قال: لأن أكون أفتيتُك بذلك أحبُّ إليَّ من نصف مُلكي (٢).

قالوا: وكذلك اللُّقَطة إذا لم يجد ربَّها بعد تعريفها ولم يُرِد أن يتملَّكها، تصدَّق بها عنه. فإن ظهر مالكُها خيَّره بين الأجر والضَّمان.

قالوا: وهذا لأنَّ المجهولَ في الشَّرع كالمعدوم، فإذا جُهِلَ المالكُ صار بمنزلة المعدوم. وهذا مالٌ لم يُعلَمْ له مالكٌ معيَّنٌ، ولا سبيل إلى تعطيل الانتفاع به، لما فيه من المفسدة والضَّرر بمالكه والفقراء ومَن هو في يده. أمَّا المالكُ فلعدم وصول نفعه إليه، وكذلك الفقراء. وأمَّا مَن هو في يده فلعدم تمكُّنه من الخلاص من إثمه، فيغرَّمُه يوم القيامة من غير انتفاعٍ به. ومثلُ هذا لا تبيحه شريعةٌ، فضلًا عن أن تأمر به وتوجبَه، فإنَّ الشَّرائع مبناها على تحصيل المصالح بحسب الإمكان وتكميلها، وتعطيلِ المفاسد بحسب الإمكان وتقليلها؛ وتعطيلُ هذا المال ووقفُه ومنعُه عن الانتفاع به مفسدةٌ محضةٌ لا مصلحةَ فيها، فلا يصار إليه.

قالوا: وقد استقرَّت قواعدُ الشَّرع على أنَّ الإذنَ العرفيَّ كاللَّفظيِّ. فمن


(١) الصواب: "عبد الله بن الشاعر"، كما علقت آنفًا.
(٢) أخرجه سعيد بن منصور في "السنن" (٢٧٣٢) وأبو إسحاق الفزاري في "السير" (ص ٢٤٩) وابن المنذر في "الأوسط" (١١/ ٦٠) كلاهما عن حوشب بن سيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>