للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأى بمال غيره موتًا وهو ممَّا يمكن استدراكُه بذبحه، فذبَحَه إحسانًا إلى مالكه ونصحًا له، فهو مأذونٌ له فيه عرفًا وإلَّا كان المالك سفيهًا؛ فإذا ذبحه لمصلحة مالكه لم يضمَنْه، لأنّه محسنٌ، و {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١]؛ وكذلك إذا غصبه ظالمٌ، أو خاف عليه منه، فصالَحَه عليه ببعضه، فسلِمَ الباقي لمالكه، وهو غائبٌ عنه؛ أو رآه آئلًا إلى تَلافٍ (١) محضٍ فباعه، وحفظ ثمنه له، ونحو ذلك= فإنَّ هذا كلَّه مأذونٌ فيه عُرفًا من المالك.

وقد باع عُروة بن الجَعْد البارقيُّ - رضي الله عنه - وكيلُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِلْكَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بغير استئذانه لفظًا، واشترى له ببعض ثمنه مثلَ ما وكَّله في شرائه بذلك الثَّمن كلِّه، ثمَّ جاءه بالثَّمن وبالمشترى، فقَبِله النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ودعا له (٢).

وأشكل هذا على بعض الفقهاء، وبناه على تصرُّف الفضوليِّ، فأُورِدَ عليه أنَّ الفضوليَّ لا يَقبِضُ ولا يُقْبِضُ، وهذا قَبَض وأَقْبَضَ. وبناه آخَرُ على أنَّه كان وكيلًا مطلقًا في كلِّ شيءٍ (٣). وهذا أفسد من الأوّل، فإنّه لا يُعرف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّه وكَّل أحدًا وكالةً مطلقةً البتَّة، ولا نقَلَ ذلك عنه مسلمٌ. والصَّواب أنّه مبنيٌّ على هذه القاعدة: أنَّ الإذنَ العرفيَّ كالإذن اللَّفظيِّ (٤)، ومن رضي بالمشترَى وخروجِ ثمنه عن مِلْكه، فهو بأن يرضى به ويحصُلَ له


(١) ج، ش: "إتلاف". والتَّلافُ كالتَّلَف مصدر تلِفَ، غير أنَّ كتب اللغة لم تذكره. انظر ما علَّقت في "الداء والدواء" للمؤلف (ص ٥٠٧).
(٢) أخرجه البخاري (٣٦٤٢).
(٣) انظر: "الوسيط" للغزالي (٣/ ٢٩٥)، و"المغني" (٧/ ٢٤٢)، و"المفاتيح شرح المصابيح" للمظهري (٣/ ٤٧٤ - ٤٧٥).
(٤) وانظر: "أعلام الموقعين" (٣/ ٤٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>