للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أسر. فهل يعدُّ المَلِك ظالمًا لهؤلاء أم عادلًا فيهم؟ نعم، خصَّ أولئك بإحسانه وعنايته وحرمها من عداهم، إذ لا يجب عليه التّسوية بينهم في فضله وإكرامه، بل ذلك فضله يؤتيه من يشاء.

وقد فسَّرت القدريَّة الجبريَّة التوفيق بأنه خلق الطاعة، والخذلان خلق المعصية. ولكن بنوا ذلك على أصولهم الفاسدة من إنكار الأسباب والحِكَم، وردُّوا الأمر إلى محض المشيئة من غير سببٍ ولا حكمةٍ.

وقابلهم القدريَّة النُّفاة، ففسَّروا التوفيق بالبيان العامِّ والهدى العامِّ والتمكُّنِ من الطاعة والاقتدار عليها وتهيئة أسبابها، وهذا حاصل لكلِّ كافرٍ ومشركٍ بلغَتْه الحجَّة وتمكَّن من الإيمان. فالتّوفيق عندهم أمرٌ مشترك بين الكفّار والمؤمنين، إذ الإقدار والتمكين والدلالة والبيان قد عمّ به الفريقين، ولم يُفرد المؤمنين عندهم بتوفيقٍ وقع به الإيمان منهم، والكفّارَ بخذلانٍ امتنع به الإيمان منهم، ولو فعل ذلك لكان عندهم محاباةً وظلمًا.

والتزموا لهذا الأصل لوازمَ قامت بها عليهم سوقُ الشَّناعة بين العقلاء، ولم يجدوا بدًّا من التزامها، فظهر فسادُ مذهبهم وتناقُضُه (١) لمن أحاط به علمًا وتصوَّره حقَّ تصوُّره، وعَلِم أنّه من أبطل مذهبٍ في العالم وأردئه.

وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقِّ بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ، فلم يرضَوا بطريق هؤلاء ولا طريقِ (٢) هؤلاء، وشهدوا انحراف الطريقين عن الصِّراط المستقيم، فأثبتوا القضاء والقدر


(١) ع: «تناقض أقوالهم».
(٢) ن: «بطريق».

<<  <  ج: ص:  >  >>