للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظهوره لهما (١) هو في الدّار الآخرة، وفي البرزخ دون ذلك؛ قال تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} [الطور: ٤٧]، وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} [النمل: ٧١ - ٧٢].

وفي هذه الدار دون ما في البرزخ، ولكن يمنع من الإحساس به الاستغراقُ في سَكرة الشّهوات، وطرحُ ذلك عن القلب، وعدمُ التفكُّر فيه. والعبد قد يصيبه ألمٌ حسِّيٌّ فيطرحه عن قلبه، ويقطع التفاته عنه، ويجعل إقباله على غيره إلى (٢) أن لا يشعر به جملةً، فلو زال عنه ذلك الالتفات لصاح من شدَّة الألم، فما الظّنُّ بعذاب القلوب وآلامها؟

وقد جعل الله تعالى للحسنات والطاعات آثارًا محبوبةً لذيذةً طيِّبةً، لذَّتها فوق لذَّة المعصية بأضعافٍ مضاعفةٍ، لا نسبة لها إليها، وجعل للسيِّئات والمعاصي آلامًا وآثارًا مكروهةً وحزازاتٍ (٣) تُرْبي على لذَّة تناولها بأضعافٍ مضاعفةٍ، قال ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما -: «إنّ للحسنة نورًا في القلب، وضياءً في الوجه، وقوّةً في البدن، وزيادةً في الرِّزق، ومحبَّةً في قلوب الخلق. وإنّ للسيِّئة سوادًا في الوجه، وظلمةً في القلب، ووَهَنًا في البدن، ونقصًا (٤) في الرِّزق، وبِغضةً في قلوب الخلق» (٥). وهذا يعرفه صاحب البصيرة ويشهده من نفسه ومن غيره.


(١) ع: «إنما».
(٢) في الأصل، ل، ن: «إلا». ش: «لا». ع: «لئلَّا». والمثبت من م، ج.
(٣) م: «حزازة». ش، ج، ن: «حزازًا». وكذا كان في الأصل ول ثم أصلح إلى المثبت.
(٤) ج، ن: «نقصانًا».
(٥) لم أقف عليه من قول ابن عباس. وقد صحَّ نحوه من قول الحسن البصري. أخرجه ابن أبي شيبة (٣٦٣٤٣) وابن أبي الدنيا في «التوبة» (١٩٤)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٦٨٢٦). وروي عن الحسن عن أنس مرفوعًا كما في «حلية الأولياء» (٢/ ١٦١) ولكنه لا يصح. انظر: «العلل» لابن أبي حاتم (١٩٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>