للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: الكبائر: ذنوبُ العمد. والسّيِّئاتُ: الخطأُ والنِّسيانُ وما أُكرِهَ عليه وحديثُ النَّفس المرفوعةُ (١) عن هذه الأمّة (٢).

قلتُ: هذا من أضعف الأقوال طردًا وعكسًا، فإنَّ الخطأَ والنِّسيانَ والإكراهَ لا يدخل تحت جنس المعاصي، حتّى يكون أحدَ قِسْمَيْها. والعَمْدُ نوعان: نوع كبائر، ونوع صغائر، ولعلَّ صاحبَ هذا القول يرى أنَّ الذُّنوب كلَّها كبائر، وأنَّ الصَّغائرَ ما عفا الله لهذه الأمّة عنه ولم يدخل تحت التّكليف. وهذا غير صحيحٍ، فإنَّ الكبائر والصّغائر نوعان تحت جنس المعصية، ويستحيلُ وجودُ النَّوع بدون جنسه.

وقيل: الكبائرُ ذنوب المستحِلِّين مثل ذنب إبليس. والصَّغائرُ ذنوبُ المستغفِرين مثل ذنب آدم عليه السلام (٣).

قلتُ: أمّا المستحِلُّ، فذنبُه دائرٌ بين الكفر والتّأويل، فإنَّه إن كان عالمًا بالتَّحريم فكافرٌ، وإن لم يكن عالمًا به فمتأوِّلٌ أو مقلِّدٌ. وأمّا المُستغفِرُ، فإنَّ استغفارَه الكاملَ يمحو كبائره وصغائره، فلا كبيرةَ مع الاستغفار. فهذا الفرقُ ضعيفٌ أيضًا، إلّا أن يكون مرادُ صاحبه أنَّ ما يفعلُه المستحلُّ من الذَّنب أعظَمُ عقوبةً ممّا يفعله المعترِفُ بالتَّحريم، النَّادمُ على الذَّنب، المستغفِرُ


(١) كذا في النسخ و"تفسير الثعلبي" (٣/ ٢٩٦). وفي مطبوعة "تفسير البغوي": "المرفوع".
(٢) "تفسير البغوي" (٢/ ٢٠٣). وعزاه الثعلبي في "تفسيره" (٣/ ٢٩٦) إلى أحمد بن عاصم الأنطاكي.
(٣) المصدر السابق. وعزاه الثعلبي (٣/ ٢٩٦) إلى المحاسبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>