للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرام فكان المؤمنون والمشركون يحجون فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا من مؤمن أو كافر (١) ثم أنزل الله بعدها ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا﴾ الآية، وقال تعالى: ﴿ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ﴾ [التوبة: ١٧] وقال ﴿إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ١٨] فنفى المشركين من المسجد الحرام.

وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة في قوله ﴿وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ﴾ قال:

منسوخ، كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من الشجر (٢) فلم يعرض له أحد، فإذا رجع تقلد قلادة من شعر فلم يعرض له أحد، وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر (٣) الحرام ولا عند البيت فنسخها قوله ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله ﴿وَلا الْقَلائِدَ﴾ يعني إن تقلدوا قلادة من الحرم فأمّنوهم، قال ولم تزل العرب تعير من أخفر ذلك، قال الشاعر: [الطويل] ألم تقتلا الحرجين إذ أعورا لكم … يمران بالأيدي اللحاء المضفّرا (٤)

وقوله تعالى: ﴿وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا﴾ أي إذا فرغتم من إحرامكم وأحللتم منه فقد أبحنا لكم ما كان محرما عليكم في حال الإحرام من الصيد وهذا أمر بعد الحظر والصحيح الذي يثبت على السير، أنه يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل النهي، فإن كان واجبا رده واجبا وإن كان مستحبا فمستحب أو مباحا فمباح، ومن قال إنه على الوجوب ينتقض عليه بآيات كثيرة، ومن قال إنه للإباحة يرد عليه آيات أخرى، والذي ينتظم الأدلة كلها هذا الذي ذكرناه، كما اختاره بعض علماء الأصول، والله أعلم.

وقوله ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾ من القراء من قرأ أن صدوكم بفتح الألف من أن، ومعناها ظاهر أي لا يحملنكم بغض قوم قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام وذلك عام الحديبية على أن تعتدوا حكم الله فيهم فتقتصوا منهم ظلما وعدوانا بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل أحد، وهذه الآية كما سيأتي من قوله ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ [المائدة:


(١) عبارة الطبري: «فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا أن يحج البيت أو يعرضوا له، من مؤمن أو كافر» إلخ.
(٢) في الطبري: «تقلد من السمر» وهو نوع من الشجر، واحدته سمرة.
(٣) في الطبري: «في الأشهر الحرم». وحديث عبد الرزاق رواه الطبري في تفسيره ٤/ ٤٠.
(٤) البيت لحذيفة بن أنس في شرح أشعار الهذليين ص ٥٥٥، وللهذلي في لسان العرب (حرج) وتاج العروس (حرج) وديوان الهذليين ٣/ ١٩. والرواية المشهورة: «ألم تقتلوا». والحرجان: مثنى حرج (بكسر الحاء وسكون الراء) وهي الودعة البيضاء. سمى الرجلين بالحرجين لبياضهما. وأعورا لكم: أظهرها لكم عورتيهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>