للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتكون اللام معللة لما جعل الله للكافرين من مال ينفقونه في الصد عن سبيل الله أي إنما أقدرناهم على ذلك ﴿لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ أي من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين، أو يعصيه بالنكول عن ذلك كقوله: ﴿وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٦ - ١٦٧] الآية وقال تعالى: ﴿ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩] الآية.

وقال تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٢] ونظيرها في براءة أيضا فمعنى الآية على هذا إنما ابتليناكم بالكفار يقاتلونكم وأقدرناهم على إنفاق الأموال وبذلها في ذلك ﴿لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ﴾ أي يجمعه كله وهو جمع الشيء بعضه على بعض كما قال تعالى في السحاب ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً﴾ أي متراكما متراكبا ﴿فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾ أي هؤلاء هم الخاسرون في الدنيا والآخرة.

[[سورة الأنفال (٨): الآيات ٣٨ إلى ٤٠]]

﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ فَإِنِ اِنْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠)

يقول تعالى لنبيه محمد ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا﴾ أي عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد ويدخلوا في الإسلام والطاعة والإنابة يغفر لهم ما قد سلف أي من كفرهم، وذنوبهم وخطاياهم كما جاء في الصحيح من حديث أبي وائل عن ابن مسعود أن رسول الله قال «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر» (١) وفي الصحيح أيضا أن رسول الله قال: الإسلام يجبّ ما قبله والتوبة تجب ما كان قبلها» (٢).

وقوله ﴿وَإِنْ يَعُودُوا﴾ أي يستمروا على ما هم فيه ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾ أي فقد مضت سنتنا في الأولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أنا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة. قال مجاهد في قوله ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾ أي في قريش يوم بدر وغيرها من الأمم، وقال السدي ومحمد بن إسحاق أي يوم بدر.

وقوله تعالى: ﴿وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ﴾ قال البخاري (٣): حدثنا


(١) أخرجه البخاري في المرتدين باب ١، وابن ماجة في الزهد باب ٢٩.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٤/ ١٩٩، ٢٠٤، ٢٠٥.
(٣) كتاب التفسير، تفسير سورة ٨، باب ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>