ثم أخبر تعالى عن تمام علمه فقال: ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ﴾ فأخبر بأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، ولهذا قال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً﴾ فأخبر عن حالهم كيف يكون لو خرجوا ومع هذا ما خرجوا كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨] وقال تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال: ٢٣] وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً﴾ [النساء: ٦٦ - ٦٨] والآيات في هذا كثيرة.
يقول تعالى محرضا لنبيه ﵇ على المنافقين: ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ﴾ أي لقد أعملوا فكرهم وأجالوا آراءهم في كيدك وكيد أصحابك وخذلان دينك وإخماده مدة طويلة، وذلك أول مقدم النبي ﷺ المدينة رمته العرب عن قوس واحدة، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها، فلما نصره الله يوم بدر وأعلى كلمته قال عبد الله بن أبي وأصحابه:
هذا أمر قد توجه فدخلوا في الإسلام ظاهرا ثم كلما أعز الله الإسلام وأهله غاظهم ذلك وساءهم ولهذا قال تعالى: ﴿حَتّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ﴾.
يقول تعالى ومن المنافقين من يقول لك: يا محمد ﴿اِئْذَنْ لِي﴾ في القعود ﴿وَلا تَفْتِنِّي﴾ بالخروج معك بسبب الجواري من نساء الروم. قال الله تعالى: ﴿أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ أي قد سقطوا في الفتنة بقولهم هذا كما قال محمد بن إسحاق عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن قتادة وغيرهم قالوا: قال رسول الله ﷺ ذات يوم وهو في جهازه للجد بن قيس أخي بني سلمة: «هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر؟» فقال:
يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني، فوالله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن. فأعرض عنه رسول الله ﷺ وقال:
«قد أذنت لك» ففي الجد بن قيس نزلت هذه: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي﴾ الآية، أي إن كان إنما يخشى من نساء بني الأصفر وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن