للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيراً﴾ [النساء: ٥٣] أي لو أن لهم نصيبا في ملك الله لما أعطوا أحدا شيئا ولا مقدار نقير، والله تعالى يصف الإنسان من حيث هو إلا من وفقه الله وهداه، فإن البخل والجزع والهلع صفة له، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلاَّ الْمُصَلِّينَ﴾ [المعارج: ١٩ - ٢٢] ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز، ويدل هذا على كرمه وجوده وإحسانه، وقد جاء في الصحيحين «يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه» (١).

[[سورة الإسراء (١٧): الآيات ١٠١ إلى ١٠٤]]

﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اُسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤)

يخبر تعالى أنه بعث موسى بتسع آيات بينات وهي الدلائل القاطعة على صحة نبوته وصدقه فيما أخبر به عمن أرسله إلى فرعون، وهي العصا واليد والسنين والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات، قاله ابن عباس (٢). وقال محمد بن كعب: هي اليد والعصا، والخمس في الأعراف والطمسة والحجر، وقال ابن عباس أيضا ومجاهد وعكرمة والشعبي وقتادة: هي يده وعصاه والسنين ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، وهذا القول ظاهر جلي حسن قوي، وجعل الحسن البصري السنين ونقص الثمرات واحدة، وعنده أن التاسعة هي تلقف العصا ما يأفكون ﴿فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٣] أي ومع هذه الآيات ومشاهدتهم لها، كفروا بها وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا، وما نجعت فيهم: فكذلك لو أجبنا هؤلاء الذين سألوا منك ما سألوا، وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا إلى آخرها، لما استجابوا ولا آمنوا إلا أن يشاء الله، كما قال فرعون لموسى وقد شاهد منه ما شاهد من هذه الآيات ﴿إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً﴾ قيل: بمعنى ساحر، والله تعالى أعلم.

فهذه الآيات التسع التي ذكرها هؤلاء الأئمة هي المراد هاهنا، وهي المعنية في قوله تعالى:

﴿وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ﴾ -إلى قوله- ﴿فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ﴾ [النمل: ١٠ - ١٢] فذكر هاتين الآيتين العصا واليد وبين الآيات الباقيات في سورة الأعراف وفصلها. وقد أوتي موسى عليه


(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١، باب ٢، والتوحيد باب ١٩، ٢٢، ومسلم في الزكاة حديث ٣٧، والترمذي في تفسير سورة ٥، باب ٣، وأحمد في المسند ٢/ ٣١٣، ٥٠٠.
(٢) تفسير الطبري ٨/ ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>