يقول تعالى محتجا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل وعلى الكفار من بني إسرائيل -وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ﵈-بأن يعقوب لما حضرته الوفاة، وصى بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له، فقال لهم ﴿ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ﴾ وهذا من باب التغليب، لأن إسماعيل عمه، قال النحاس:
والعرب تسمي العم أبا، نقله القرطبي، وقد استدل بهذه الآية الكريمة من جعل الجد أبا وحجب به الإخوة، كما هو قول الصديق، حكاه البخاري عنه من طريق ابن عباس وابن الزبير، ثم قال البخاري: ولم يختلف عليه، وإليه ذهبت عائشة أم المؤمنين، وبه يقول الحسن البصري وطاوس وعطاء، وهو مذهب أبي حنيفة وغير واحد من السلف والخلف، وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه أنه يقاسم الإخوة، وحكي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وجماعة من السلف والخلف، واختاره صاحبا أبي حنيفة القاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن، ولتقريرها موضع آخر.
وقوله ﴿إِلهاً واحِداً﴾ أي نوحده بالألوهية ولا نشرك به شيئا غيره، ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ أي مطيعون خاضعون، كما قال تعالى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [آل عمران: ٨٣] والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة وإن تنوعت شرائعهم واختلفت مناهجهم، كما قال تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥]، والآيات في هذا كثيرة والأحاديث فمنها قوله ﷺ «نحن معشر الأنبياء أولاد علات (١) ديننا واحد».
وقوله تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ أي مضت، ﴿لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ﴾ أي إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إذا لم تفعلوا خيرا يعود نفعه عليكم، فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم ﴿وَلا تُسْئَلُونَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وقال أبو العالية والربيع وقتادة ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط ولهذا جاء في الأثر «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه».