المستضعفين بمكة من الرجال والنساء والصبيان المتبرمين من المقام بها، ولهذا قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ يعني مكة، كقوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ [محمد: ١٣]، ثم وصفها بقوله: ﴿الظّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾ أي سخر لنا من عندك وليا وناصرا، قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سفيان عن عبيد الله، قال: سمعت ابن عباس قال:
كنت أنا وأمي من المستضعفين. حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن ابن مليكة أن ابن عباس تلا ﴿إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ﴾ [النساء: ٩٨] قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله ﷿.
ثم قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ﴾ أي المؤمنون يقاتلون في طاعة الله ورضوانه، والكافرون يقاتلون في طاعة الشيطان، ثم هيج تعالى المؤمنين على قتال أعدائه بقوله: ﴿فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً﴾
كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة، وإن لم تكن ذات النصب، وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين، وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم ولم يكن الحال إذ ذاك مناسبا لأسباب كثيرة منها: قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم، ومنها:
كونهم كانوا في بلدهم، وهو بلد حرام، أشرف بقاع الأرض، فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداء كما يقال، فلهذا لم يؤمر بالجهاد إلا بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار، ومع هذا لما أمروا بما كانوا يودونه، جزع بعضهم منه، وخافوا مواجهة الناس خوفا شديدا ﴿وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ أي لولا أخرت فرضه إلى مدة أخرى، فإن فيه سفك الدماء، ويتم الأولاد، وتأيم النساء، وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ﴾ [محمد: ٢٠].