للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأبرار، وأما المقربون فكما قال تعالى: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ﴾ [الحج: ٢٣] ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده: ﴿وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً﴾ أي طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة، كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هنالك عينين، فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما فأذهب الله ما في بطونهم من أذى، ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم، فأخبر بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً﴾ أي يقال لهم ذلك تكريما لهم وإحسانا إليهم كما قال تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيّامِ الْخالِيَةِ﴾ [الحاقة:٢٤] وكقوله تعالى: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣] وقوله تعالى: ﴿وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً﴾ أي جزاكم الله تعالى على القليل بالكثير.

[[سورة الإنسان (٧٦): الآيات ٢٣ إلى ٣١]]

﴿إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاُذْكُرِ اِسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اِتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩) وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٣١)

يقول تعالى ممتنا على رسوله بما أنزله عليه من القرآن العظيم تنزيلا: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ أي كما أكرمتك بما أنزلت عليك فاصبر على قضائه وقدره واعلم أنه سيدبرك بحسن تدبيره ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾ أي لا تطع الكافرين والمنافقين إن أرادوا صدك عما أنزل إليك بل بلغ ما أنزل إليك من ربك وتوكل على الله فإن الله يعصمك من الناس، فالآثم هو الفاجر في أفعاله والكفور هو الكافر قلبه.

﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ أي أول النهار وآخره ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً﴾ كقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً﴾ [الإسراء: ٧٩] وكقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ [المزمل: ١ - ٤] ثم قال تعالى منكرا على الكفار ومن أشبههم في حب الدنيا والإقبال عليها والانصباب إليها وترك الدار الآخرة وراء ظهورهم ﴿إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً﴾ يعني يوم القيامة.

ثم قال تعالى: ﴿نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني خلقهم ﴿وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً﴾ أي وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة وبدلناهم

<<  <  ج: ص:  >  >>