للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة آل عمران (٣): الآيات ٤٥ إلى ٤٧]]

﴿إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اِسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥) وَيُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصّالِحِينَ (٤٦) قالَتْ رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧)

هذه بشارة من الملائكة لمريم بأن سيوجد منها ولد عظيم له شأن كبير.

قال الله تعالى: ﴿إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ أي بولد يكون وجوده بكلمة من الله، أي يقول له: كن فيكون، وهذا تفسير قوله: ﴿مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ﴾ [آل عمران: ٣٩] كما ذكر الجمهور على ما سبق بيانه ﴿اِسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ أي يكون مشهورا بهذا في الدنيا، ويعرفه المؤمنون بذلك وسمي المسيح، قال بعض السلف: لكثرة سياحته. وقيل: لأنه كان مسيح القدمين، لا أخمص (١) لهما، وقيل: لأنه كان إذا مسح أحدا من ذوي العاهات برئ، بإذن الله تعالى. وقوله: ﴿عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ نسبة إلى أمه حيث لا أب له. ﴿وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ أي له وجاهة ومكانة عند الله في الدنيا بما يوحيه الله إليه من الشريعة وينزله عليه من الكتاب وغير ذلك مما منحه الله به، وفي الدار الآخرة يشفع عند الله فيمن يأذن له فيه، فيقبل منه أسوة بإخوانه من أولي العزم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

وقوله: ﴿وَيُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً﴾ أي يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له في حال صغره، معجزة وآية، وفي حال كهولته حين يوحي الله إليه بذلك ﴿وَمِنَ الصّالِحِينَ﴾ أي في قوله وعمله، له علم صحيح وعمل صالح.

قال محمد بن إسحاق: عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن محمد بن شرحبيل، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله «ما تكلم مولود في صغره إلا عيسى وصاحب جريج» وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو الصقر يحيى بن محمد بن قزعة، حدثنا الحسين يعني المروزي، حدثنا جرير يعني ابن حازم، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي ، قال «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وصبي كان في زمن جريج، وصبي آخر» فلما سمعت بشارة الملائكة لها بذلك عن الله ﷿، قالت في مناجاتها ﴿رَبِّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ؟﴾ تقول: كيف يوجد هذا الولد مني وأنا لست بذات زوج، ولا من عزمي أن أتزوج، ولست بغيا حاشا لله؟ فقال لها الملك عن الله ﷿ في جواب ذلك السؤال ﴿كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ أي هكذا أمر الله عظيم لا يعجزه شيء، وصرح هاهنا بقوله: ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ ولم يقل: يفعل، كما في قصة زكريا، بل نص هاهنا على أنه يخلق لئلا يبقى لمبطل شبهة، وأكد ذلك بقوله: ﴿إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ أي فلا يتأخر شيئا بل يوجد عقيب الأمر


(١) الأخمص: باطن القدم الذي يتجافى عن الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>