كما هو مذهب الشافعي ومن وافقه، ورواية عن أحمد وهو المشهور عن مالك. وقيل أنه واجب وليس بركن، فإن تركه عمدا أو سهوا جبره بدم، وهو رواية عن أحمد وبه يقول طائفة، وقيل بل مستحب، وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري والشعبي وابن سيرين، وروي عن أنس وابن عمر وابن عباس، وحكي عن مالك في العتبية قال القرطبي: واحتجوا بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً﴾ والقول الأول أرجح لأنه ﵇ طاف بينهما، وقال:«لتأخذوا عني مناسككم» فكل ما فعله في حجته تلك واجب لا بد من فعله في الحج، إلا ما خرج بدليل، والله أعلم.
وقد تقدم قوله ﵇«اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي» فقد بين الله تعالى أن الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله، أي مما شرع الله تعالى لإبراهيم في مناسك الحج، وقد تقدم في حديث ابن عباس، أن أصل ذلك مأخوذ من طواف هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها لما نفذ ماؤهما وزادهما حين تركهما إبراهيم ﵇ هنالك، وليس عندهما أحد من الناس، فلما خافت على ولدها الضيعة هنالك، ونفذ ما عندهما، قامت تطلب الغوث من الله ﷿، فلم تزل تتردد في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة، متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة إلى الله ﷿، حتى كشف الله كربتها، وآنس غربتها، وفرج شدتها، وأنبع لها زمزم التي ماؤها «طعام طعم، وشفاء سقم» فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله، في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه، وأن يلتجئ إلى الله ﷿، لتفريج ما هو به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم، وأن يثبته عليه إلى مماته وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي، إلى حال الكمال والغفران والسداد والاستقامة كما فعل بهاجر ﵍.
وقوله ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً﴾ قيل زاد في طوافه بينهما على قدر الواجب، ثامنة وتاسعة ونحو ذلك، وقيل يطوف بينهما في حجة تطوع أو عمرة تطوع، وقيل: المراد تطوع خيرا في سائر العبادات، حكى ذلك الرازي، وعزي الثالث إلى الحسن البصري، والله أعلم، وقوله ﴿فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ أي يثيب على القليل بالكثير، عليم بقدر الجزاء فلا يبخس أحدا ثوابه، و ﴿لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً﴾ [النساء: ٤٠].
هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاء به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة، والهدى النافع للقلوب من بعد ما بينه الله تعالى لعباده من كتبه التي أنزلها على رسله.