قد رويت هذه القصة عن جعفر وأم سلمة ﵄ وموضع ذلك كتاب السيرة والمقصد أن الأنبياء ﵈ لم تزل تنعته وتحكيه في كتبها على أممها وتأمرهم باتباعه ونصره وموازرته إذا بعث، وكان ما اشتهر الأمر في أهل الأرض على لسان إبراهيم الخليل والد الأنبياء بعده حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولا منهم، وكذا على لسان عيسى ابن مريم، ولهذا قالوا: أخبرنا عن بدء أمرك يعني في الأرض قال: «دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى ابن مريم ورؤيا أمي التي رأت» أي ظهر في أهل مكة أثر ذلك، والإرهاص فذكره صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله تعالى: ﴿فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ قال ابن جريج وابن جرير (١) ﴿فَلَمّا جاءَهُمْ﴾ أحمد أي المبشر به في الأعصار المتقادمة المنوه بذكره في القرون السالفة. لما ظهر أمره وجاء بالبينات، قال الكفرة والمخالفون ﴿هذا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾.
لا أحد أظلم ممن يفتري الكذب على الله ويجعل له أندادا وشركاء وهو يدعي إلى التوحيد والإخلاص، ولهذا قال تعالى: ﴿وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ ثم قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ﴾ أي يحاولون أن يردوا الحق بالباطل، ومثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس بفيه، وكما أن هذا مستحيل كذاك ذلك مستحيل، ولهذا قال تعالى: ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ وقد تقدم الكلام على هاتين الآيتين في سورة براءة بما فيه كفاية، ولله الحمد والمنة.
تقدم في حديث عبد الله بن سلام أن الصحابة ﵃ أرادوا أن يسألوا رسول الله ﷺ عن أحب الأعمال إلى الله ﷿ ليفعلوه، فأنزل الله تعالى هذه السورة ومن جملتها هذه الآية ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ﴾ ثم فسر