للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفسير من ابن إسحاق أعم مما تقدم وهو يستلزم ذلك كله، فإن من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره وفق لمعرفة الحق من الباطل، فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا وسعادته يوم القيامة وتكفير ذنوبه وهو محوها، وغفرها سترها عن الناس وسببا لنيل ثواب الله الجزيل كقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد: ٢٨].

[[سورة الأنفال (٨): آية ٣٠]]

﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ ليقيدوك، وقال عطاء وابن زيد: ليحبسوك، وقال السدي: الإثبات هو الحبس والوثاق، وهذا يشمل ما قاله هؤلاء وهؤلاء وهو مجمع الأقوال، وهو الغالب من صنيع من أراد غيره بسوء، وقال سنيد عن حجاج عن ابن جريج: قال عطاء: سمعت عبيد بن عمير يقول: لما ائتمروا بالنبي ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه. قال له عمه أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال «يريدون أن يسحروني أو يقتلوني أو يخرجوني». فقال: من أخبرك بهذا؟ قال «ربي» قال: نعم الرب ربك استوص به خيرا. قال «أنا استوصي به، بل هو يستوصي بي» (١).

وقال أبو جعفر بن جرير (٢): حدثني محمد بن إسماعيل المصري المعروف بالوساوسي، أخبرنا عبد الحميد بن أبي داود عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن المطلب بن أبي وداعة أن أبا طالب قال لرسول الله : ما يأتمر بك قومك؟ قال «يريدون أن يسحروني أو يقتلوني أو يخرجوني». فقال: من أخبرك بهذا؟ قال «ربي». قال: نعم الرب ربك فاستوص به خيرا. قال «أنا استوصي به، بل هو يستوصي بي». قال: فنزلت ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ الآية.

وذكر أبي طالب في هذا غريب جدا، بل منكر، لأن هذه الآية مدنية، ثم إن هذه القصة واجتماع قريش على هذا الائتمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل إنما كان ليلة الهجرة سواء، وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين لما تمكنوا منه واجترءوا عليه بسبب موت عمه أبي طالب الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه.

والدليل على صحة ما قلنا ما روى الإمام محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: وحدثني الكلبي عن باذان مولى أم هانئ عن ابن عباس أن نفرا من قريش من أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة فاعترضهم


(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ٢٢٦.
(٢) تفسير الطبري ٦/ ٢٢٥، ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>