للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ خَرَجْنَا مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ، فَقَالَ «هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ وَهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ وَكَانَ مِنْ ثَمُودَ وَكَانَ بِهَذَا الْحَرَمِ فَدَفَعَ عَنْهُ. فلما خرج أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا الْمَكَانِ فَدُفِنَ فِيهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ إِنْ أَنْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ أصبتموه، فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ الْغُصْنَ» وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ «١» ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِهِ، قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِيُّ: وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ عَزِيزٌ.

(قُلْتُ) تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ بُجَيْرُ بْنُ أَبِي بُجَيْرٍ هَذَا، وَهُوَ شَيْخٌ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا رَوَى عَنْهُ غَيْرَ إِسْمَاعِيلِ بْنِ أُمَيَّةَ، (قُلْتُ) وَعَلَى هَذَا فَيُخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهِمَ فِي رَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِمَّا أَخَذَهُ مِنَ الزَّامِلَتَيْنِ، قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَجَّاجِ بَعْدَ أَنْ عَرَضْتُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ٧٩]]

فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩)

هَذَا تَقْرِيعٌ مِنْ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ، لَمَّا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِمُخَالَفَتِهِمْ إِيَّاهُ وَتَمَرُّدِهِمْ عَلَى اللَّهِ وَإِبَائِهِمْ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْهُدَى إِلَى الْعَمَى، قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ ذَلِكَ بَعْدَ هَلَاكِهِمْ، تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا وَهُمْ يَسْمَعُونَ ذَلِكَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ أَقَامَ هُنَاكَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّتْ بَعْدَ ثَلَاثٍ مِنْ آخَرِ اللَّيْلِ فَرَكِبَهَا ثُمَّ سَارَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ «يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ يا شيبة بن ربيعة ويا فُلَانٍ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَقْوَامٍ قَدْ جُيِّفُوا؟ فَقَالَ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لَا يُجِيبُونَ» «٢» .

وَفِي السِّيرَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُمْ «بِئْسَ عَشِيرَةُ النَّبِيِّ كُنْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ كَذَّبْتُمُونِي وَصَدَقَنِي النَّاسُ، وَأَخْرَجْتُمُونِي وَآوَانِي النَّاسُ، وَقَاتَلْتُمُونِي وَنَصَرَنِي النَّاسُ، فَبِئْسَ عَشِيرَةُ النَّبِيِّ كُنْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ» .

وَهَكَذَا صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِقَوْمِهِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ أَيْ فَلَمْ تَنْتَفِعُوا بِذَلِكَ لِأَنَّكُمْ لَا تُحِبُّونَ الْحَقَّ وَلَا تَتَّبِعُونَ نَاصِحًا، وَلِهَذَا قَالَ وَلكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ هَلَكَتْ أُمَّتُهُ كَانَ يَذْهَبُ فَيُقِيمُ في الحرم حرم مكة، والله أعلم.


(١) كتاب الإمارة باب ٤١.
(٢) تقدم الحديث مع تخريجه في تفسير الآية ٤٤ من هذه السورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>