للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بغير حق، والفساد أخذ المال بغير حق. وقال ابن جريج ﴿لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾ تعظما وتجبرا ﴿وَلا فَساداً﴾ عملا بالمعاصي.

وقال ابن جرير (١): حدثنا ابن وكيع، حدثنا أبي عن أشعث السمان عن أبي سلام الأعرج عن علي قال: إن الرجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك نعل صاحبه، فيدخل في قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ وهذا محمول على ما إذا أراد بذلك الفخر والتطاول على غيره، فإن ذلك مذموم، كما ثبت في الصحيح عن النبي أنه قال: «إنه أوحي إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» (٢) وأما إذا أحب ذلك لمجرد التجمل، فهذا لا بأس به، فقد ثبت أن رجلا قال: يا رسول الله إني أحب أن يكون ردائي حسنا ونعلي حسنة، أفمن الكبر ذلك؟ فقال: «لا، إن الله جميل يحب الجمال» (٣). وقال تعالى: ﴿مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ أي يوم القيامة ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها﴾ أي ثواب الله خير من حسنة العبد، فكيف والله يضاعفه أضعافا كثيرة، وهذا مقام الفضل ثم قال: ﴿وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وهذا مقام الفضل والعدل.

[[سورة القصص (٢٨): الآيات ٨٥ إلى ٨٨]]

﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَاُدْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨)

يقول تعالى آمرا رسوله صلوات الله وسلامه عليه ببلاغ الرسالة وتلاوة القرآن على الناس، ومخبرا له بأنه سيرده إلى معاد وهو يوم القيامة، فيسأله عما استرعاه من أعباء النبوة، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ﴾ أي افترض عليك أداءه إلى الناس ﴿لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ﴾ أي إلى يوم القيامة فيسألك عن ذلك، كما قال تعالى: ﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦] وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٩] وقال: ﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ﴾ [الزمر: ٦٩].


(١) تفسير الطبري ١٠/ ١١٥.
(٢) أخرجه مسلم في الجنة حديث ٦٤، وأبو داود في الأدب باب ٤٠، وابن ماجة في الزهد باب ١٦، ٢٣.
(٣) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ١٤٧، وابن ماجة في الدعاء باب ١٠، وأحمد في المسند ٤/ ١٣٣، ١٣٤، ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>