للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي سُؤَالِهِمْ عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاسْتِبْعَادِهِمْ وُقُوعَ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قَالَ الله تعالى مُجِيبًا لَهُمْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْ يَكُونَ قَرُبَ أَوْ أَنْ يُقَرَّبَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ، وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً [الْإِسْرَاءِ: ٥١] وَقَالَ تَعَالَى: يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ [الْعَنْكَبُوتِ: ٥٤] وَإِنَّمَا دَخَلَتِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: رَدِفَ لَكُمْ لِأَنَّهُ ضُمِّنَ مَعْنَى عَجِلَ لَكُمْ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ عَجِلَ لَكُمْ.

ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ أَيْ فِي إِسْبَاغِهِ نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ مَعَ ظُلْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَشْكُرُونَهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا الْقَلِيلُ مِنْهُمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ أَيْ يعلم الضمائر والسرائر كَمَا يَعْلَمُ الظَّوَاهِرَ، سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ [الرَّعْدِ: ١٠] يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى [طَهَ: ٧] أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ [هُودٍ: ٥] ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّهُ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَنَّهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَا غَابَ عَنِ العباد وما شاهدوه، فقال تعالى: وَما مِنْ غائِبَةٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي وَمَا مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ وهذه كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الْحَجِّ: ٧٠] .

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٧٦ الى ٨١]

إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠)

وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١)

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَمَا اشتمل عليه من الهدى والبيان وَالْفُرْقَانِ إِنَّهُ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ حَمَلَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي عِيسَى وَتَبَايُنِهِمْ فِيهِ فَالْيَهُودُ افتروا والنصارى غلوا فجاء الْقُرْآنُ بِالْقَوْلِ الْوَسَطِ الْحَقِّ الْعَدْلِ أَنَّهُ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ الْكِرَامِ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ [مَرْيَمَ: ٣٤] ، وَقَوْلُهُ وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أي هدى لقلوب المؤمنين به ورحمة لهم في العمليات.

ثم قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ أي فِي انْتِقَامِهِ الْعَلِيمُ بِأَفْعَالِ عِبَادِهِ وَأَقْوَالِهِمْ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي في جميع أُمُورِكَ وَبَلِّغْ رِسَالَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>