أوفر الجزاء ثم قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾ أي المعاد كائن لا محالة ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ أي العيشة الدنيئة بالنسبة إلى ما أعد الله لأوليائه وأتباع رسله من الخير العظيم، فلا تتلهوا عن ذلك الباقي بهذه الزهرة الفانية ﴿وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ﴾ وهو الشيطان قاله ابن عباس ﵄، أي لا يفتننكم الشيطان ويصرفنكم عن اتباع رسل الله وتصديق كلماته، فإنه غرار كذاب أفاك.
وهذه الآية كالآية التي في آخر لقمان ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان: ٣٣] وقال مالك عن زيد بن أسلم هو الشيطان، كما قال المؤمنون للمنافقين يوم القيامة حين يضرب ﴿بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ﴾ [الحديد: ١٣ - ١٤] ثم بين تعالى عداوة إبليس لابن آدم فقال: ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ أي هو مبارز لكم بالعداوة فعادوه أنتم أشد العداوة وخالفوه وكذبوه فيما يغركم به ﴿إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ﴾ أي إنما يقصد أن يضلكم حتى تدخلوا معه إلى عذاب السعير، فهذا هو العدو المبين نسأل الله القوي العزيز أن يجعلنا أعداء الشيطان وأن يرزقنا اتباع كتاب الله، والاقتفاء بطريق رسله، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وهذه كقوله تعالى:
لما ذكر تعالى أن أتباع إبليس مصيرهم إلى السعير، ذكر بعد ذلك أن الذين كفروا لهم عذاب شديد، لأنهم أطاعوا الشيطان وعصوا الرحمن، وأن الذين آمنوا بالله ورسله ﴿وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ أي لما كان منهم من ذنب ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ على ما عملوه من خير. ثم قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً﴾ يعني كالكفار والفجار يعملون أعمالا سيئة وهم في ذلك يعتقدون ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، أي أفمن كان هكذا قد أضله الله ألك فيه حيلة، لا حيلة لك فيه ﴿فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ﴾ أي بقدره كان ذلك ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ﴾ أي لا تأسف على ذلك، فإن الله حكيم في قدره إنما يضل من يضل ويهدي من يهدي، لما له في ذلك من الحجة البالغة والعلم التام، ولهذا قال تعالى: