للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلهذا قال: ﴿وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ ولا يلزم من كونهم أقوى وأقدر على الامتناع أن يكونوا أفضل. وقيل: إنما ذكروا لأنهم اتخذوا آلهة مع الله كما اتخذ المسيح، فأخبر تعالى أنهم عبيد من عباده وخلق من خلقه، كما قال تعالى: ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦]، ولهذا قال: ﴿وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً﴾ أي فيجمعهم إليه يوم القيامة، ويفصل بينهم بحكمه العدل الذي لا يجوز فيه، ولا يحيف، ولهذا قال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة، ويزيدهم على ذلك من فضله وإحسانه وسعة رحمته وامتنانه، وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي، عن الأعمش، عن سفيان، عن عبد الله مرفوعا، قال: قال رسول الله : ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ قال: أجورهم: «أدخلهم الجنة» ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ قال «الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في دنياهم وهذا إسناد لا يثبت (١).

وإذا روي عن ابن مسعود موقوفا، فهو جيد ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا﴾ أي امتنعوا من طاعة الله وعبادته واستكبروا عن ذلك ﴿فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً﴾ كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠] أي صاغرين حقيرين ذليلين كما كانوا ممتنعين مستكبرين.

[[سورة النساء (٤): الآيات ١٧٤ إلى ١٧٥]]

﴿يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاِعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥)

يقول تعالى مخاطبا جميع الناس ومخبرا بأنه قد جاءهم منه برهان عظيم، وهو الدليل القاطع للعذر والحجة المزيلة للشبهة، ولهذا قال: ﴿وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً﴾ أي ضياء واضحا على الحق، قال ابن جريج وغيره: وهو القرآن ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ﴾ أي جمعوا بين مقامي العبادة، والتوكل على الله في جميع أمورهم، وقال ابن جريج: آمنوا بالله واعتصموا بالقرآن. رواه ابن جرير (٢) ﴿فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ﴾ أي يرحمهم فيدخلهم الجنة، ويزيدهم ثوابا ومضاعفة ورفعا في درجاتهم من فضله عليهم وإحسانه إليهم، ﴿وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً﴾ أي طريقا واضحا قصدا قواما لا اعوجاج فيه ولا انحراف وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والآخرة، فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنان. وفي حديث


(١) قال في الدر المنثور (٢/ ٤٤٠): وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والإسماعيلي بسند ضعيف عن ابن مسعود مرفوعا.
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٣٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>