للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عوضا من الدنيا. فهذه أربعة أقوال والأظهر القول الأول، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ أي اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك ﷿ قاله مجاهد. وقال إبراهيم النخعي: اصبر على عطيتك لله ﷿. وقوله تعالى: ﴿فَإِذا نُقِرَ فِي النّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وزيد بن أسلم والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس والسدي وابن زيد ﴿النّاقُورِ﴾ الصور، قال مجاهد: وهو كهيئة القرن.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أسباط بن محمد عن مطرف عن عطية العوفي عن ابن عباس ﴿فَإِذا نُقِرَ فِي النّاقُورِ﴾ فقال: قال رسول الله : «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ؟» فقال: قال أصحاب رسول الله : فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا» (١) وهكذا رواه الإمام أحمد عن أسباط به، ورواه ابن جرير (٢) عن أبي كريب عن ابن فضيل وأسباط كلاهما عن مطرف به، ورواه من طريق أخرى عن العوفي عن ابن عباس به.

وقوله تعالى: ﴿فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ أي شديد ﴿عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ أي غير سهل عليهم كما قال تعالى: ﴿يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ [القمر: ٨]، وقد روينا عن زرارة بن أوفى قاضي البصرة أنه صلّى بهم الصبح، فقرأ هذه السورة فلما وصل إلى قوله تعالى: ﴿فَإِذا نُقِرَ فِي النّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ شهق شهقة ثم خرّ ميتا رحمه الله تعالى.

[[سورة المدثر (٧٤): الآيات ١١ إلى ٣٠]]

﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلاّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاِسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)

يقول تعالى متوعدا لهذا الخبيث الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا فكفر بأنعم الله وبدلها كفرا وقابلها بالجحود بآيات الله والافتراء عليها، وجعلها من قول البشر وقد عدد الله عليه نعمه حيث قال تعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً﴾ أي خرج من بطن أمه وحده لا مال له ولا ولد ثم رزقه الله تعالى: ﴿مالاً مَمْدُوداً﴾ أي واسعا كثيرا قيل ألف دينار وقيل مائه ألف دينار، وقيل أرضا يستغلها، وقيل غير ذلك وجعل له بنين ﴿شُهُوداً﴾ قال مجاهد لا يغيبون أي حضورا عنده لا يسافرون بالتجارات بل مواليهم وأجراؤهم يتولون ذلك عنهم: وهم قعود عند أبيهم يتمتع بهم ويتملى بهم، وكانوا فيما ذكره السدي وأبو مالك وعاصم بن عمر بن قتادة ثلاثة عشر،


(١) أخرجه أحمد في المسند ٣/ ٧٣.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>