للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله : ﴿فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً﴾ أي أرضا ميتة، فلما جاءها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ثم نبه تعالى بإحياء الأرض على إحياء الأجساد يوم المعاد بعد موتها، فقال: ﴿كَذلِكَ تُخْرَجُونَ﴾.

ثم قال ﷿: ﴿وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها﴾ أي مما تنبت الأرض من سائر الأصناف من نبات وزروع وثمار وأزاهير وغير ذلك من الحيوانات على اختلاف أجناسها وأصنافها ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ﴾ أي السفن ﴿وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ﴾ أي ذللها لكم وسخرها ويسرها لأكلكم لحومها وشربكم ألبانها وركوبكم ظهورها، ولهذا قال جل وعلا: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ﴾ أي لتستووا متمكنين مرتفقين (١) ﴿عَلى ظُهُورِهِ﴾ أي على ظهور هذا الجنس ﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ﴾ أي فيما سخر لكم ﴿إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ أي مقاومين، ولولا تسخير الله لنا هذا ما قدرنا عليه. قال ابن عباس وقتادة والسدي وابن زيد: مقرنين، أي مطيقين (٢)، ﴿وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ أي لصائرون إليه بعد مماتنا وإليه سيرنا الأكبر، وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة، كما نبه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي في قوله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى﴾ [البقرة: ١٩٧] وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى: ﴿وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف: ٢٦].

[ذكر الأحاديث الواردة عند ركوب الدابة]

[حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب] . قال الإمام أحمد (٣): حدثنا يزيد، حدثنا شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق، عن علي بن ربيعة قال: رأيت عليا أتى بدابة، فلما وضع رجله في الركاب قال: باسم الله، فلما استوى عليها قال: الحمد لله ﴿سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ ثم حمد الله تعالى ثلاثا وكبر ثلاثا، ثم قال: سبحانك لا إله إلا أنت قد ظلمت نفسي فاغفر لي ثم ضحك، فقلت له:

مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ فقال : رأيت رسول الله فعل مثلما فعلت ثم ضحك، فقلت: مم ضحكت يا رسول الله؟ فقال : «يعجب الرب من عبده إذا قال رب اغفر لي، ويقول علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري» وهكذا رواه أبو


(١) ارتفق القوم: صاروا رفقاء، أي يركبونها مترافقين في سفرهم.
(٢) انظر تفسير الطبري ١١/ ١٧١.
(٣) المسند ١/ ١٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>