والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة بل أمره بالاستعداد لها.
وقوله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السّاعَةِ﴾ أي يجادلون في وجودها ويدفعون وقوعها ﴿لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ أي في جهل بين، لأن الذي خلق السموات والأرض قادر على إحياء الموتى بطريق الأولى والأخرى، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧].
يقول تعالى مخبرا عن لطفه بخلقه في رزقه إياهم عن آخرهم لا ينسى أحدا منهم، سواء في رزقه البر والفاجر، كقوله ﷿: ﴿وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: ٦] ولها نظائر كثيرة، وقوله جل وعلا:
﴿يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ﴾ أي يوسع على من يشاء ﴿وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ أي لا يعجزه شيء ثم قال ﷿: ﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ﴾ أي عمل الآخرة ﴿نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ أي نقويه ونعينه على ما هو بصدده ونكثر نماءه ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله ﴿وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ أي ومن كان إنما سعيه ليحصل له شيء من الدنيا وليس له إلى الآخرة هم البتة بالكلية حرمه الله الآخرة والدنيا إن شاء أعطاه منها وإن لم يشأ لم يحصل لا هذه ولا هذه، وفاز هذا الساعي بهذه النية بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة، والدليل على هذا أن هذه الآية هاهنا مقيدة بالآية التي في سبحان وهي قوله ﵎: ﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً. اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ [الإسراء: ١٨ - ٢١].
وقال الثوري عن مغيرة عن أبي العالية عن أبي بن كعب ﵁ قال: قال