للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ﴾ أي يدفعون الحق بالباطل ويردون الحج الصحيحة بالشبه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله ﴿إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ﴾ أي ما في صدورهم إلا كبر على اتباع الحق واحتقار لمن جاءهم به وليس ما يرومونه من إخماد الحق وإعلاء الباطل بحاصل لهم بل الحق هو المرفوع وقولهم وقصدهم هو الموضوع ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللهِ﴾ أي من حال مثل هؤلاء ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ أو من شر مثل هؤلاء المجادلين في آيات الله بغير سلطان هذا تفسير ابن جرير (١).

وقال كعب وأبو العالية نزلت هذه الآية في اليهود ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ﴾ قال أبو العالية وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم وأنهم يملكون به الأرض فقال الله تعالى لنبيه آمرا له أن يستعيذ من فتنة الدجال ولهذا قال ﷿: ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ وهذا قول غريب وفيه تعسف بعيد وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في كتابه، والله أعلم.

[[سورة غافر (٤٠): الآيات ٥٧ إلى ٥٩]]

﴿لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩)

يقول تعالى منبها على أنه يعيد الخلائق يوم القيامة وأن ذلك سهل عليه يسير لديه بأنه خلق السموات والأرض وخلقهما أكبر من خلق الناس بدأة وإعادة فمن قدر على ذلك فهو قادر على ما دونه بطريق الأولى والأحرى كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأحقاف:٣٣] وقال هاهنا: ﴿لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ فلهذا لا يتدبرون هذه الحجة ولا يتأملونها كما كان كثير من العرب يعترفون بأن الله تعالى خلق السموات والأرض وينكرون المعاد استبعادا وكفرا وعنادا وقد اعترفوا بما هو أولى مما أنكروا ثم قال تعالى: ﴿وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ﴾ أي كما لا يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا والبصير الذي يرى ما انتهى إليه بصره، بل بينهما فرق عظيم كذلك لا يستوي المؤمنون الأبرار والكفرة الفجار ﴿قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ﴾ أي ما أقل ما يتذكر كثير من الناس ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ﴾ أي لكائنة وواقعة ﴿لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ أي لا يصدقون بها بل يكذبون بوجودها. قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا أشهب حدثنا مالك عن شيخ قديم من أهل اليمن


(١) تفسير الطبري ١١/ ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>