للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رواية النسائي عن أنس ، والبيهقي عن شداد بن أوس أن ذلك ببيت لحم، فالله أعلم، وهذا هو المشهور الذي تلقاه الناس بعضهم عن بعض، ولا تشك فيه النصارى أنه ببيت لحم، وقد تلقاه الناس، وقد ورد به الحديث إن صح.

وقوله تعالى إخبارا عنها: ﴿قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا﴾ فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد، ولا يصدقونها في خبرها، وبعد ما كانت عندهم عابدة ناسكة تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية، فقالت: ﴿يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا﴾ أي قبل هذا الحال، ﴿وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا﴾ أي لم أخلق ولم أك شيئا، قاله ابن عباس. وقال السدي: قالت وهي تطلق من الحبل استحياء من الناس: يا ليتني مت قبل هذا الكرب الذي أنا فيه والحزن بولادتي المولود من غير بعل، ﴿وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا﴾ نسي فترك طلبه كخرق الحيض التي إذا ألقيت وطرحت لم تطلب ولم تذكر، وكذلك كل شيء نسي وترك فهو نسي. وقال قتادة: ﴿وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا﴾ أي شيئا لا يعرف ولا يذكر ولا يدري من أنا. وقال الربيع بن أنس: ﴿وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا﴾ هو السقط. وقال ابن زيد: لم أكن شيئا قط، وقد قدمنا الأحاديث الدالة على النهي عن تمني الموت إلا عند الفتنة عند قوله: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾ [يوسف: ١٠١].

[[سورة مريم (١٩): الآيات ٢٤ إلى ٢٦]]

﴿فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاِشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)

قرأ بعضهم: «من تحتها» بمعنى الذي تحتها، وقرأ الآخرون: ﴿مِنْ تَحْتِها﴾ على أنه حرف جر، واختلف المفسرون في المراد بذلك من هو؟ فقال العوفي وغيره عن ابن عباس ﴿فَناداها مِنْ تَحْتِها﴾ جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها، وكذا قال سعيد بن جبير والضحاك وعمرو بن ميمون والسدي وقتادة: إنه الملك جبرائيل ، أي ناداها من أسفل الوادي. وقال مجاهد: ﴿فَناداها مِنْ تَحْتِها﴾ قال: عيسى ابن مريم، وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: قال الحسن: هو ابنها، وهو إحدى الروايتين عن سعيد بن جبير أنه ابنها، قال: أو لم تسمع الله يقول: ﴿فَأَشارَتْ إِلَيْهِ﴾ [مريم ٢٩] واختاره ابن زيد وابن جرير (١) في تفسيره.

وقوله: ﴿أَلاّ تَحْزَنِي﴾ أي ناداها قائلا لا تحزني ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ قال سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ قال:

الجدول، وكذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: السري النهر، وبه قال عمرو بن ميمون


(١) تفسير الطبري ٨/ ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>