للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمد، وله شواهد من وجوه أخر، وقد ذكرناها عند قوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً﴾ وعند قوله تعالى: ﴿إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: ٣٨].

[[سورة الكهف (١٨): آية ٥٠]]

﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠)

يقول تعالى منبها بني آدم على عداوة إبليس لهم ولأبيهم من قبلهم، ومقرعا لمن اتبعه منهم وخالف خالقه ومولاه، وهو الذي أنشأه وابتداه وبألطافه رزقه وغذاه، ثم بعد هذا كله والى إبليس وعادى الله، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ﴾ أي لجميع الملائكة كما تقدم تقريره في أول سورة البقرة ﴿اُسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ أي سجود تشريف وتكريم وتعظيم، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ﴾ [الحجر: ٢٨ - ٢٩]. وقوله: ﴿فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ أي خانه أصله، فإنه خلق من مارج من نار، وأصل خلق الملائكة من نور.

كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة ، عن رسول الله أنه قال: «خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» (١)، فعند الحاجة نضح كل وعاء بما فيه، وخانه الطبع عند الحاجة وذلك أنه كان قد توسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم وتعبد وتنسك، فلهذا دخل في خطابهم وعصى بالمخالفة، ونبه تعالى هاهنا على أنه من الجن أي على أنه خلق من نار، كما قال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢ - ٧٦] قال الحسن البصري: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن، كما أن آدم أصل البشر، رواه ابن جرير (٢) بإسناد صحيح عنه.

وقال الضحاك عن ابن عباس: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة، وكان اسمه الحارث، وكان خازنا من خزان الجنة، وخلقت الملائكة من نور غير هذا الحي، قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار (٣)، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت. وقال الضحاك أيضا عن ابن عباس: كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة، وكان خازنا على الجنان، وكان له سلطان السماء الدنيا وسلطان الأرض، وكان مما سولت له نفسه من قضاء الله أنه رأى أن له بذلك شرفا على أهل السماء، فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله، واستخرج الله ذلك


(١) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٦٠، وأحمد في المسند ٦/ ١٥٣، ١٦٨.
(٢) تفسير الطبري ٨/ ٢٣٦.
(٣) انظر تفسير الطبري ٨/ ٢٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>