يخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله وخالف الرسول وشاقه، وارتد عن الإيمان من بعد ما تبين له الهدى أنه لن يضر الله شيئا، وإنما يضر نفسه ويخسرها يوم معادها، وسيحبط الله عمله فلا يثيبه على سالف ما تقدم من عمله الذي عقبه بردته مثقال بعوضة من خير، بل يحبطه ويمحقه بالكلية كما أن الحسنات يذهبن السيئات.
وقد قال الإمام أحمد بن نصر المروزي (١) في كتاب الصلاة: حدثنا أبو قدامة، حدثنا وكيع، حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال كان أصحاب رسول الله ﷺ يرون أنه لا يضر مع «لا إله إلا الله ذنب» كما لا ينفع مع الشرك عمل فنزلت ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ﴾ فخافوا أن يبطل الذنب العمل، ثم روي من طريق عبد الله بن المبارك أخبرني بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عن نافع عن ابن عمر ﵄ قال: كنا معشر أصحاب رسول الله ﷺ نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبول حتى نزلت ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ﴾ فقلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات والفواحش حتى نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش ونرجو لمن لم يصبها.
ثم أمر ﵎ عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله التي هي سعادتهم في الدنيا والآخرة ونهاهم عن الارتداد الذي هو مبطل للأعمال، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ﴾ أي بالردة، ولهذا قال بعدها: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ﴾ كقوله ﷾: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] الآية.
ثم قال جل وعلا لعباده المؤمنين: ﴿فَلا تَهِنُوا﴾ أي لا تضعفوا عن الأعداء ﴿وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ﴾ أي المهادنة والمسالمة ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم وكثرة عددكم
(١) هو أبو عبد الله أحمد بن نصر بن مالك الشهيد المروزي، كان رأسا في الحديث والفقه والعبادة، قيل لم يكن للشافعية في وقته مثله، توفي في المحرم سنة ٢٩٤ وهو في التسعين من عمره. له ترجمة في الثقات لابن حبان ٨/ ١٤.