للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة طه (٢٠): الآيات ١٣١ إلى ١٣٢]]

﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاِصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى (١٣٢)

يقول تعالى لنبيه محمد : لا تنظر إلى ما هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم فيه من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة ونعمة حائلة، لنختبرهم بذلك وقليل من عبادي الشكور. وقال مجاهد: ﴿أَزْواجاً مِنْهُمْ﴾، يعني الأغنياء، فقد آتاك خيرا مما آتاهم، كما قال في الآية الأخرى ﴿وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ [الحجر: ٨٧ - ٨٨] الآية، وكذلك ما ادخره الله تعالى لرسوله في الآخرة أمر عظيم لا يحد ولا يوصف، كما قال تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى﴾ [الضحى: ٥] ولهذا قال: ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى﴾.

وفي الصحيح أن عمر بن الخطاب لما دخل على رسول الله في تلك المشربة التي كان قد اعتزل فيها نساءه حين آلى منهن (١)، فرآه متوسدا مضطجعا على رمال حصير (٢)، وليس في البيت إلا صبرة من قرظ (٣) وأهب (٤) معلقة، فابتدرت عينا عمر بالبكاء، فقال له رسول الله : «ما يبكيك يا عمر؟» فقال: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت صفوة الله من خلقه؟ فقال: «أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا» (٥) فكان أزهد الناس في الدنيا مع القدرة عليها، إذا حصلت له ينفقها هكذا وهكذا في عباد الله، ولم يدخر لنفسه شيئا لغد.

قال ابن أبي حاتم: أنبأنا يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد أن رسول الله قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا» قالوا: وما زهرة الدنيا يا رسول الله؟ قال «بركات الأرض». وقال قتادة والسدي: زهرة الحياة الدنيا، يعنى زينة الحياة الدنيا. وقال قتادة: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ لنبتليهم.

وقوله: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها﴾ أي استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة، واصبر أنت على فعلها، كما قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً﴾ [التحريم: ٦].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يبيت عنده أنا ويرفأ، وكان له ساعة من الليل يصلي فيها، فربما لم يقم، فنقول: لا يقوم الليلة كما كان يقوم، وكان إذا استيقظ أقام يعني أهله، وقال «وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها».


(١) آلى منهن: أي أقسم لا يدخل عليهن شهرا.
(٢) الرمال، بضم الراء: ما رمل: أي ما نسج.
(٣) القرظ: ما يدبغ به.
(٤) الأهب، جمع إهاب: وهو الجلد من البقر، والغنم، ما لم يدبغ.
(٥) أخرجه البخاري في المظالم، باب ٢٥، وتفسير سورة ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>