٤٨]، ولهذا قال ابن عباس وعبيد بن عمير: كانوا أول النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء بررة. وقال محمد بن كعب: كانوا ثمانين ألفا، وقال القاسم بن أبي بزة: كانوا سبعين ألفا، وقال السدي: بضعة وثلاثين ألفا، وقال الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي ثمامة: كان سحرة فرعون تسعة عشر ألفا، وقال محمد بن إسحاق: كانوا خمسة عشر ألفا، وقال كعب الأحبار: كانوا اثني عشر ألفا.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن علي بن حمزة، حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: كانت السحرة سبعين رجلا، أصبحوا سحرة، وأمسوا شهداء. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا المسيب بن واضح بمكة، حدثنا ابن المبارك قال: قال الأوزاعي: لما خر السحرة سجدا، رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها، قال: وذكر عن سعيد بن سلام، حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سليمان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قوله: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً﴾ قال:
رأوا منازلهم تبنى لهم وهم في سجودهم، وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بزة.
يقول تعالى مخبرا عن كفر فرعون وعناده وبغيه ومكابرته الحق بالباطل، حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والآية العظيمة، ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة الناس كلهم، وغلب كل الغلب، شرع في المكابرة والبهت، وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في السحرة، فتهددهم وتوعدهم وقال: ﴿آمَنْتُمْ لَهُ﴾ أي صدقتموه ﴿قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ﴾ أي ما أمرتكم بذلك وأفتنم علي في ذلك، وقال قولا يعلم هو والسحرة والخلق كلهم أنه بهت وكذب ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ أي أنتم إنما أخذتم السحر عن موسى، واتفقتم أنتم وإياه علي وعلى رعيتي لتظهروه، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٣]، ثم أخذ يتهددهم فقال: ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ أي لأجعلنكم مثلة، ولأقتلنكم ولأشهرنكم، قال ابن عباس: فكان أول من فعل ذلك، ورواه ابن أبي حاتم.
وقوله ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى﴾ أي أنتم تقولون: إني وقومي على ضلالة وأنتم مع موسى وقومه على الهدى، فسوف تعلمون من يكون له العذاب ويبقى فيه، فلما صال عليهم بذلك وتوعدهم، هانت عليهم أنفسهم في الله ﷿ و ﴿قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ﴾