قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله ﷺ: ما الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد تهتد، وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله ﷿ ﴿وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا﴾.
وقوله ﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً﴾ أي لا نريد ما دعوتمونا إليه من اليهودية والنصرانية بل نتبع ﴿مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً﴾ أي مستقيما، قاله محمد بن كعب القرظي وعيسى بن جارية، وقال خصيف عن مجاهد: مخلصا، وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: حاجا، وكذا روي عن الحسن والضحاك وعطية والسدي، وقال أبو العالية: الحنيف الذي يستقبل البيت بصلاته، ويرى أن حجه عليه إن استطاع إليه سبيلا. وقال مجاهد والربيع بن أنس: حنيفا أي متبعا. وقال أبو قلابة: الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى أخرهم، وقال قتادة: الحنيفية شهادة أن لا إله إلا الله، يدخل فيها تحريم الأمهات والبنات والخالات والعمات وما حرم الله ﷿ والختان (١).
أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمد ﷺ مفصلا وما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملا، ونص على أعيان من الرسل، وأجمل ذكر بقية الأنبياء، وأن لا يفرقوا بين أحد منهم بل يؤمنوا بهم كلهم، ولا يكونوا كمن قال الله فيهم ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً﴾.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا عثمان بن عمرة، أخبرنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله ﷺ«لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل الله».
وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث عثمان بن حكيم عن سعيد بن يسار عن ابن عباس، قال: كان رسول الله ﷺ أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر ب ﴿آمَنّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا﴾ الآية، والأخرى ب ﴿آمَنّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٥٢].
وقال أبو العالية والربيع وقتادة: الأسباط بنو يعقوب اثنا عشر رجلا، ولد كل رجل منهم أمة
(١) الآثار الواردة في تفسير هذه الآية حكاها الطبري في تفسيره ١/ ٦١٦ - ٦١٧.