للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرض، فإنه لا يقدر على شفائي أحد غيره بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه ﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ أي هو الذي يحيي ويميت لا يقدر على ذلك أحد سواه، فإنه هو الذي يبدئ ويعيد ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ أي لا يقدر على غفران الذنوب في الدنيا والآخرة إلا هو، ومن يغفر الذنوب إلا الله، وهو الفعال لما يشاء.

[[سورة الشعراء (٢٦): الآيات ٨٣ إلى ٨٩]]

﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ (٨٣) وَاِجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاِجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاِغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩)

وهذا سؤال من إبراهيم أن يؤتيه ربه حكما. قال ابن عباس: وهو العلم. وقال عكرمة: هو اللب، وقال مجاهد: هو القرآن. وقال السدي: هو النبوة. وقوله ﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾ أي اجعلني مع الصالحين في الدنيا والآخرة، كما قال النبي عند الاحتضار «اللهم في الرفيق الأعلى» (١) قالها ثلاثا. وفي الحديث في الدعاء «اللهم أحينا مسلمين، وأمتنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مبدلين» (٢) وقوله ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ أي واجعل لي ذكرا جميلا بعدي أذكر به ويقتدى بي في الخير، كما قال تعالى:

﴿وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [الصافات: ١٠٨ - ١١٠].

قال مجاهد وقتادة ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ يعني الثناء الحسن. قال مجاهد: كقوله تعالى ﴿وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً﴾ [النحل: ١٢٢] الآية، وكقوله ﴿وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا﴾ [العنكبوت: ٢٧] الآية، قال ليث بن أبي سليم: كل ملة تحبه وتتولاه، وكذا قال عكرمة. وقوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ أي نعم عليّ في الدنيا ببقاء الذكر الجميل بعدي، وفي الآخرة بأن تجعلني من ورثة جنة النعيم. وقوله ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي﴾ الآية، كقوله ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ﴾ [إبراهيم: ٤١] وهذا مما رجع عنه إبراهيم ، كما قال تعالى: ﴿وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ﴾ -إلى قوله- ﴿إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٤] وقد قطع تعالى الإلحاق في استغفاره لأبيه فقال تعالى:

﴿قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ -إلى قوله- ﴿وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الممتحنة: ٤].

وقوله: ﴿وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ أي أجرني من الخزي يوم القيامة يوم يبعث الخلائق أولهم وآخرهم. وقال البخاري عند هذه الآية: قال إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي ذئب عن


(١) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٤٢، ومسلم في السلام حديث ٤٦.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٣/ ٤٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>