للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منكم جعلا ولا عطاء على أداء رسالة الله ﷿ إليكم ونصحي إياكم وأمركم بعبادة الله ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللهِ﴾ أي إنما أطلب ثواب ذلك من عند الله ﴿وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ أي عالم بجميع الأمور بما أنا عليه من إخباري عنه بإرساله إياي إليكم وما أنتم عليه.

وقوله ﷿: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاّمُ الْغُيُوبِ﴾ كقوله تعالى: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ﴾ [غافر: ١٥] أي يرسل الملك إلى من يشاء من عباده من أهل الأرض، وهو علام الغيوب فلا تخفى عليه خافية في السموات ولا في الأرض.

وقوله : ﴿قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ﴾ أي: جاء الحق من الله والشرع العظيم، وذهب الباطل وزهق واضمحل، كقوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ﴾ [الأنبياء: ٨] ولهذا لما دخل رسول الله المسجد الحرام يوم الفتح، ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة جعل يطعن الصنم منها بسية قوسه ويقرأ ﴿وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً﴾ [الإسراء: ٨١] ﴿قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ﴾ (١) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وحده عند هذه الآية، كلهم من حديث الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة، عن ابن مسعود به، أي لم يبق للباطل مقالة ولا رئاسة ولا كلمة وزعم قتادة والسدي أن المراد بالباطل هاهنا إبليس، أي أنه لا يخلق أحدا ولا يعيده ولا يقدر على ذلك، وهذا وإن كان حقا ولكن ليس هو المراد هاهنا، والله أعلم.

وقوله : ﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ أي الخير كله من عند الله، وفيما أنزل الله ﷿ من الوحي والحق المبين فيه الهدى والبيان والرشاد، ومن ضل فإنما يضل من تلقاء نفسه، كما قال عبد الله بن مسعود لما سئل عن تلك المسألة في المفوضة أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه. وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ أي سميع لأقوال عباده قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وقد روى النسائي هنا حديث أبي موسى في الصحيحين «إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا قريبا مجيبا» (٢).

[[سورة سبإ (٣٤): الآيات ٥١ إلى ٥٤]]

﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنّا بِهِ وَأَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)


(١) أخرجه البخاري في المظالم باب ٣٢، والمغازي باب ٤٨، وتفسير سورة ١٧، باب ١٢، ومسلم في الجهاد حديث ٨٧، والترمذي في تفسير سورة ١٧، باب ٩، وأحمد في المسند ١/ ٣٧٧.
(٢) أخرجه البخاري في الدعوات باب ٥٠، ومسلم في الذكر حديث ٤٤، ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>